بلومبرج : رهانات على خفض البنك المركزي الأوروبي للفائدة بوتيرة أقوى
الأسواق تتوقع 3 تخفيضات لأسعار الفائدة حتى نهاية 2025 لتفادي تأثير الرسوم الجمركية ودعم النمو

يراهن المتداولون على أن البنك المركزي الأوروبي سيضطر إلى تبني نهج أكثر قوة في خفض أسعار الفائدة، في الوقت الذي تضغط فيه مخاطر الرسوم الجمركية الأميركية المحتملة، والاضطرابات السياسية في المنطقة على اقتصاد التكتل.
وبحسب بلومبرج ، تتبنى الأسواق مراكز تشير نحو توقعات بضعف اليورو، ربما إلى مستوى يقل عن الدولار الأميركي الواحد، مقارنة بنحو 1.04 دولار حالياً، إلى جانب ارتفاع السندات خلال الأشهر المقبلة مع تيسير البنك المركزي الأوروبي سياسته النقدية.
ومن المتوقع على نطاق واسع أن يعلن البنك عن خفض بربع نقطة مئوية يوم الخميس، فيما سيراقب المتداولون أي تغيّر في موقف صانعي القرار.
السيناريو الأساسي للأسواق هو أن البنك المركزي الأوروبي سيواصل الخفض ثلاث مرات أخرى حتى نهاية العام، ليصل معدل الفائدة على الإيداع إلى 2% ، وهو ما يمثل بالفعل تبايناً مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي، لكن بعض الخبراء الاستراتيجيين يرون أن الفجوة ستتسع على نحو أكبر وأسرع، إذا تحققت تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض رسوم تجارية عقابية.
ويمكن أن تؤدي الرسوم الأمريكية على الواردات الأوروبية إلى دفع البنك المركزي الأوروبي نحو إجراء تخفيضات أعمق لدعم النمو، ما سيؤثر سلباً على اليورو. في المقابل، سيلقى الدولار الدعم من بقاء معدلات الفائدة الفيدرالية مرتفعة مما سيعوض أثر أي تسارع للتضخم قد ينجم عن الرسوم الجمركية.
وقال تيم بروكس، رئيس تداول عقود خيارات الصرف الأجنبي لدى “أوبتيف: ” “يكفي إعلان واحد عن رسوم جمركية تستهدف أوروبا لإعادة سعر الصرف نحو مستوى التعادل”.
وأوضح أنه في المدى الأطول، يتطلع المشاركون في السوق “إلى التحوط ضد احتمال ضعف اليورو-دولار، وانخفاضه إلى ما دون مستوى التعادل”.
وتُظهر بيانات عمليات عكس المخاطر، وهي مقياس رئيسي لمراكز السوق ومعنوياتها في سوق الخيارات، أن تكلفة التحوط ضد ضعف اليورو بحلول نهاية العام قريبة من أعلى مستوياتها منذ يونيو ، كما تضاعف الطلب على الخيارات التي تجني ربحاً في حال تراجع اليورو إلى التعادل أو أقل خلال هذا العام، بأكثر من الضعف هذا الشهر مقارنة بأحجام نوفمبر وديسمبر، وفقاً لبيانات مؤسسة الإيداع والمقاصة .
ويتسرب هذا الحذر أيضاً إلي أسواق الفائدة، حيث وضع المتداولون رهانات كبيرة على خيارات تتوقع أن ينفذ البنك المركزي الأوروبي خفضاً لا يقل عن نصف نقطة مئوية بحلول منتصف العام، ما يشكل زيادة مقارنة بتخفيضات ربع نقطة المتبعة حتى الآن ، كما اشترى أحد المشاركين في السوق استراتيجية خيارات تستهدف معدل فائدة على الودائع عند 2% بحلول منتصف العام.
وكتب كونستانتين فايت، مدير المحافظ في “باسيفيك إنفستمنت مانجمنت” في مذكرة: “نتوقع مخاطر إضافية لهبوط نمو منطقة اليورو بعد الانتخابات الأميركية، وإمكانية أن تكون معدلات الفائدة النهائية أقل مما هو مُسعّر حالياً”.
ومن جانبه، قلل محافظ بنك فرنسا، فرانسوا فيليروي دي غالو، وهو من بين أكثر صانعي السياسات اعتدالاً في البنك المركزي الأوروبي، من الحاجة إلى إجراء خفض كبير لأسعار الفائدة. جاءت البيانات الصادرة يوم الجمعة لتعزز هذا الرأي ، حيث أظهرت أن القطاع الخاص في منطقة اليورو عاد إلى النمو في يناير بعد شهرين من الانكماش، وهو ما فاجأ المحللين.
وفي الوقت نفسه أدت التقلبات الحادة في سياسات ترمب إلى موجة من التكهنات المحمومة، وهزت أسواق العملات في الأسابيع الأخيرة. ومنذ انتخابات نوفمبر، ظل المحللون يتوقعون وصول اليورو إلى مستوى التعادل مع الدولار.
وكان اليورو قد ارتفع بأكثر من 3% خلال الأسبوعين الماضيين، وسط رهانات على تأجيل أو تخفيف الرسوم الجمركية ، غير أن هذه المكاسب تلاشت يوم الثلاثاء الماضي بعد أن تعهد ترمب بفرض رسوم شاملة “أكبر بكثير” من نسبة 2.5% ، حيث تراجع اليورو 0.2% إلى 1.0407 دولار ، وهو أدنى مستوياته منذ 23 يناير.
وعلى الصعيد المحلي، تسود حالة من عدم اليقين في فرنسا، حيث تواجه الحكومة الجديدة معركة صعبة لتمرير الموازنة وسط برلمان مضطرب ، وفي ألمانيا المجاورة، سيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في فبراير بعد انهيار ائتلاف المستشار أولاف شولتس في نوفمبر.
ومن المتوقع أن تُظهر بيانات تصدر اليوم ، الخميس ، أي قبل ساعات فقط من إعلان البنك المركزي الأوروبي قراره، أن الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو نما بنسبة 0.1% فقط على الأرجح في الربع الرابع 2024، مقارنة بـ 0.4% في الربع الثالث، وفقاً لاستطلاع أجرته “بلومبرج”. وقال نيكولا جوليان، رئيس قسم الدخل الثابت العالمي في “كاندريام” إن اجتماع البنك المركزي الأوروبي في مارس سيكون “مهماً بشكل خاص، بمجرد أن تتضح الخطوات الأولى للإدارة الأميركية، ونتائج الانتخابات الألمانية”.
ومع ذلك، لا تزال “كاندريام” متفائلة عموماً بشأن السندات الحكومية الأساسية في منطقة اليورو ، نظراً لأن التضخم في الكتلة الاقتصادية يسير “بشكل أكثر استقراراً” نحو الانخفاض مقارنة بالولايات المتحدة.
ولا تزال مؤشرات توقعات التضخم طويلة الأجل في السوق مستقرة بالقرب من 2%، على عكس نظيراتها الأميركية.
أما سلمان أحمد، رئيس قسم الاقتصاد الكلي وتخصيص الأصول الاستراتيجية في “فيدليتي إنترناشونال” ، فهو من بين الذين يتوقعون خفضاً أعمق لأسعار الفائدة من جانب البنك المركزي الأوروبي مقارنة بما تضعه الأسواق في اعتبارها حالياً ، فهو يرى احتمال خفض إجمالي يصل إلى 150 نقطة أساس هذا العام، ليصل معدل الفائدة على الودائع إلى 1.5%، وهو ما يعتبره كثيرون سياسة تيسيرية.
وقال أحمد: “هذه هي الطريقة الوحيدة للحماية من مخاطر الرسوم الجمركية، بأن يكون البنك المركزي الأوروبي أكثر قوة” ، وأضاف: “القضية ليست في اتجاه الخفض، بل في شدته”.