دكتور زكريا صلاح يكتب..جنيه قوى أم ضعيف
يراقب الفرد العادى قبل المتخصص اتجاهات سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى منذ اتجاه السعر للانخفاض والذى انخفض من نحو ثمانية عشر جنيها عند بداية التعويم ليصل الان الى 15.56 جنيه املا فى ان تنخفض الاسعار مع كل إنخفاض فى الدولار كنوع من الارتداد فى الاسعار بواعز أنه كما قام التجار بزيادة الاسعار بصورة فورية عندما تم التعويم فعليهم بتخفيض الاسعار مع كل تخفيض فى سعر الدولار، وهو نفس الاتجاه الذى يراه المتخصصون كون ارتفاع سعر الدولار يجلب معه التضخم المستورد وبالتالى يجب ان تنخفض الاسعار مع إنخفاض الدولار، وعلى الرغم من هذا الانخفاض المتتابع الا أنه تثار تسأولات كثيرة عما إذا كان هذا الانخفاض مفتعل أما انه نتيجة طبيعة لقوى العرض والطلب فى سوق الصرف.
وللاجابة على هذه التساؤلات فالامر بسيط اذا ما تم رصد حركة تدفقات النقد الاجنبى من مصادر موارد النقد الاجنبى خلال الفترة الماضية والتى زادت كنتيجة لزيادة تحويلات العاملين فى الخارج، ووالوفود السياحية كنتيجة للاستقرار وبدء عودة السياحة التى كانت متوقفة لعدد من البلدان منذ فترة، وزيادة رسوم مرور قناة السويس بالإضافة الى إقبال المستثمرين الاجانب على الاستثمار فى أدوات الدين المصرية من اذون وسندات، وفى نفس الوقت السيطرة التى تمت على الاستيراد، وإدارة الدين الخارجى وخدمته طبقا لمراقبة التدفقات من النقد الاجنبى، هذا بالاضافة الى القدر من أرصدة الاحتياطيات الدولية من النقد الاجنبى المحتفظ بها والتى يتم إستثمارها وتحقق بعض العوائد وكذلك التعافى الطفيف فى الصادرات والمزيد من الاتجاه الى التخلص من الودائع الدولارية مع كل إنخفاض فى سعر الدولار كأثر نفسي لدى حائزى الدولار.
والمتابع للتطورات فى السياسة النقدية فقد تم إسنهداف سعر الصرف خلال فترة التسعينات ثم مع الالفية الجديدة بدأ التركيز على إستهداف التضخم وتفعيل الاداة الهامة للسياسة النقدية وهى سعر العائد وزيادته بصورة كبيرة مع بداية التعويم لتحقيق هدفين اساسين الاول هو دفع الافراد للتحول من الودائع الدولارية الى الودائع بالعملة المحلية وجذب المستثمرين الاجانب للاستثمار فى اذون الخزانة لزيادة المعروض من النقد الاجنبى بالإضافة الى تحقيق الهدف الثانى وهو محاولة أن يكون سعر العائد الحقيقى موجباً حيث يمثل الفرق بين سعر العائد الاسمى مطروحا منه معدل التضخم وبالتالى محاولة الحفاظ على عدم تأكل مدخرات الأفراد كنتيجة لانخفاض القوة الشرائية مع كل زيادة فى الاسعار.
ونظراً لأن الدول عادة ما تستخدم سعر الصرف لمعالجة الاختلالات فى موازين المدفوعات فتقوم بتخفيض سعر عملتها لزيادة الاقبال على الصادرات فى مقابل تخفيض الاستيراد وتشجيع السياح على المجىء وقضاء بدل ليلتين فى ظل سعر صرف قوى الى قضاء عدد من الليالى فى ظل سعر صرف ضعيف وتشجيع المستثمرين الاجانب فى الاستثمار فى الدولة وبالتالى يكون تخفيض العملة فى صالح ميزان المدفوعات سواء ميزان التجارة او ميزان الخدمات وهذا الاجراء هو ما يفسر جانباً هاما من قرار التعويم الذى هدف الى الوصول الى سعر صرف اقرب الى الواقع والتعامل مع الخلل الكبير فى موازين المدفوعات وفى نفس الوقت القضاء على السوق السوداء الا انه مع التعويم فقد كان الانخفاض كبيراً حيث قفز سعر الدولار من حوالى عشرة جنيهات الى حوالى ثمانية عشر جنيها او يزيد وهو الامر الذى شجع المستثمرين الاجانب للاستثمار فى اذون الخزانة للاستفادة من سعر الصرف المنخفض للجنيه حيث اصبح الدولار يساوى ثمانية عشر جنيه بدل من عشرة جنيهات وبالتالى إستطاعوا شراء عدد أكبر من الاذون بنفس الدولارات التى كانوا يشترون بها عدد اقل والاستفادة الاخرى التى صاحبت ذلك هو الاستفادة من سعر العائد المرتفع على الاذون وهى كلها فى نظر هؤلاء المستثمرين استثمارات قصيرة الاجل بل فى بعض المفاهيم تسمى الاموال الساخنة وهى اموال سريعة الدخول سريعة الخروج اذا شعرت باى تهديد وبالتالى كان على متخذ قرارات السياسة النقدية سواء من خلال اتباع اداة سعر الصرف او سعر العائد أن يتم الخفض التدريجى للاثنين فيتم تخفيض سعر الصرف بقروش وتنخفض اسعار العائد بنصف وواحد فى المائة لأن انخفاض سعر الصرف بجنيهات بدلا من القروش سيؤدى الى رغبة المستثمرين فى الخروج فى فترات قصيرة وبمكاسب رهيبة حدث جزء منها عند دخولهم والجزء الاخر عند الخروج عندما يقومون بشراء الدولار مقابل جنيهات اقل من السعر الذى دخلوا به.
لذلك يجب ادارة السياسة النقدية بما يخدم صالح الاقتصاد القومى فلا يتم التباهى بسعر عملة محلية قوية او استنكار ضعف العملة المحلية أمام الدولار فلكل منهما أهداف يسعى متخذ القرار الى تحقيقها للوصول الى الرقم الواجب إستهدافه بدل من إستهداف التضخم وهو الانتقال الى استهداف معدلات النمو الاقتصادى، فقد يكون من الافضل بعد بدء إعادة تشغيل المصانع المعطلة وضخ استثمارات جديدة فى الصناعة خاصة فى ظل المبادرات التى يقوم بها البنك المركزى الاحتفاظ بجنيه ضعيف ميزة للاقتصاد نظراً لأنه سيتم تشغيل المصانع وزيادة الانتاج وتكون هناك حاجة للتصدير وبالتالى الجنيه الضعيف يخدم هذا الغرض، لكن فى كل الاحوال فان الوصول الى سعر حقيقى للعملة من خلال قوى عرض وطلب حقيقية هو الاهم فى كل الاوقات والاحوال وعندها يمكن الاتجاه الى تبنى سياسة الجنيه القوى أو الجنيه الضعيف حسبما تقتضيه الظروف الاقتصادية والاهداف المراد تحقيقها من هذه الاجراءات.
والله من وراء القصد
د. زكريا صلاح الجندى – الخبير المصرفى