محمد عبد العال يكتب .. أسعار الفائدة والإختيار الصعب !
دخلت السياسة النقدية المصرية فى مرحلة ما بعد التعويم ، وبداية تطبيق برنامج الإصلاح النقدى والمالى ، فى مواجه صعبة مع صدمات الإقتصاد الكلى وعلى رأسها التضخم.
وما كادت تلتقط أنفاسها بعد أنهت مرحلة السياسة النقدية التقشفية ، التى نجحت خلالها فى كبح جماح التضخم ، وانطلقت الى مرحلة التيسير النقدى ، إذ تجد نفسها تواجه ، مع كل صانعي السياسات النقدية فى العالم ، صدمة أخرى أشد ضراوة ، وأكثر شمولا ، وأعمق تأثيرا فى ضرباتها الموجعة على كل إقتصاديات العالم ، حيث هدد فيروس كوفيد 19 المستجد كل العالم صحيا واجتماعيًا واقتصاديا ، وأصبح شبح الركود هو السمة الوحيدة المهيمنة على كل دول العالم بما فيها مصر.
وكإجراء إستباقى دفاعى وتحفيزى قامت لجنة السياسة النقدية فى إجتماع إستثنائى طارئ لها يوم الإثنين 16 مارس 2020 بخفض العائد بواقع 300 نقطة أساس ، كإجراء إستثنائى يساهم فى دفع النشاط الإقتصادى ، ومقاومة ظهور أعراض للركود الإقتصادى.
ومنذ ذلك التحرك التاريخى ، أبقت اللجنة الأسعار على معدلاتها دون تغير ، ويترقب مجتمع المصارف والأعمال، بإهتمام بالغ إتجاهات أسعار الفائدة المرتقبة فى اجتماع اللجنة الموقرة يوم الخميس القادم.
وهنا يثور التساؤل .. هل أسعار العائد الحالية مناسبة ومحايدة ، وأي تحريك فيها لن يضر أو ينفع ، ومن ثم قد ترى لجنة السياسة النقدية تثبيتها لفترة أخرى ؟
من وجه نظرى الشخصية ؛ لا بالتأكيد .. فقد تكون أسعار العائد الحالية متسقة مع أرقام التضخم المنخفضة ، وقد تكون قد منحت دفعة معقولة نسبياً لفتح شهية المقترضين قبل أن تشتد حدة صدمة كورونا ، ولكنها أبدا أراها ليست كافية الآن فى عصر كوفيد 19 .
ما الذى تغير؟
تحت وطأة تداعيات كورونا سينخفض معدل النمو الإقتصادى المصري من 6% إلى 4.2% ، وسوف يرتفع عجز الموازنة من 7.2% إلى 7.9 % ، وفقا للتقديرات الرسمية ، وهو ما يعنى أننا حتما داخلون فى مرحلة من التباطؤ الإقتصادى ، والذى أهم آليات مقاومته خفض أسعار الفائدة .
إن خفض الفائدة سيشجع القطاعات الإنتاجية المختلفة ، خاصة تلك غير المستفيدة من مبادرات المركزى ، على التوسع والتشغيل ، كما أن خفض العائد بمقدار واحد فى المائة يوفر على وزارة المالية مايقرب من 15مليار جنيه ، تسهم فى خفض عجز الموازنة بذات المقدار.
وعلى الجانب الآخر يستفيد من خفض الفائدة قطاعات كبيرة من عملاء التحزئة المصرفية ، الأمر الذى ينشط حركة الطلب المشتق ، ويساعد على مقاوم مظاهر الركود.
إن قرار الخفض لن يؤثر سلباً على الإستثمار الأجنبى غير المباشر ، المهاجر أصلاً ومؤقتاً الآن ، كما أن الخفض لا يؤثر سلبا على دخول ودائع القطاع العائلى ، حيث متاح لهم أوعية إدخارية خاصة بأسعار مميزة، ولن أنسى أنه فى خفض الفائدة دعما طبيعيًا وعملياً للبورصة المصرية ، كبديل للدعم النقدى .
فى ضوء ما سبق فأنا ( لا أتوقع ولا أتنبأ ) وإنما أقف وفقاً للتحليل المتواضع ، مع خفض العائد بمقدار 100 نقطة أساس .
بالطبع لدى أعضاء لجنة السياسة النقدية ، الموقرة ، من العلم والخبرة والمعلومات والرؤى ما يجعلهم يتخذون القرار الصائب ، الذى يتسق مع الأوضاع العالمية والمحلية القائمة .
محمد عبد العال – خبير مصرفي