مصطفى عبده يكتب عن ..الأزمة

المستوى الأول

تتكون كلمة الأزمة باللغة الصينية من كلمة من مقطعين (مثل كلمة الافطار باللغة الانجليزية breakfast” ” تتكون من مقطعين ويعنى المقطعين منفردين “كسر الصيام” وليس عملية الإفطار نفسها) وهنا يعنى المقطعين منفردين ” فرصة مختبئة ” وليست الأزمة نفسها.

المستوى الثاني
صيف عام 2006 وفي أحد أحياء القاهرة وفي محل كان لا يبيع سوى منتج واحد وهو “الفراخ المشوية”، ولكن كان يتميز بخلطة فريدة يقوم بحشوها بتلك الفراخ وهى عبارة عن شرائح طولية من البصل مع أعواد الكزبرة “ليست مقطعة” مع بعض التوابل ولم يكن يقدم سواها بهذا المحل (أي أن هذا هو المنتج الوحيد الذي يقدمه ويبيعه)، وفي بداية هذا العام تحديداً بدأ ينتشر مرض انفلونزا الطيور ووصل الامر إلى منع انتقال الطيور بين المحافظات ثم تطور الأمر إلى منع بيعها.

وهو ما يعنى توقف سلسلة التوريد لهذا المحل ولهذا كان من الطبيعي جدا أن يغلق مثل هذا المحل ويتوقف العمل به إلى أجل غير مسمى لحين انتهاء تلك الازمة مع تسريح العمالة لتوفير النفقات.

إلا أن ذلك لم يحدث ….. فقد قام هذا المحل بتقديم منتج جديد عليه وهو ما يطلق عليه “رغيف الحواوشي” (عبارة عن خبز به لحمة مفرومة ويتم شويها بأفران مختلفة عن شويات المنتج الاول) ولكن أضاف إليه خلطته المميزة ( البصل وأعواد الكزبرة ولكنهم هذه المرة في صورة مفرومة لتتناسب مع المنتج الجديد ) وكانت المفاجأة بأن الطلب على هذا المنتج (بهذه الخلطة المميزة) زاد بدرجة كبيرة إلى الدرجة التي جعلت المحل يستحوذ على محل مجاور له كان يبيع عصير القصب.

ثم ما أن رجعت الأمور إلي طبيعتها وعاد ليقدم منتجه السابق كان قد أستحوذ على مكتبة بالشارع المقابل له ثم محل ألبان وتم تحويلهم جميعاً لخدمة نشاطه والتوسع في تقديم كافة أنواع الوجبات (منتجات عديدة ومتنوعة).

التفسير
استطاع المحل عدم الأغلاق وقت الأزمة بدراسة المنتجات البديلة، وأعتمد على ميزاته التنافسية بالسوق (خلطته المتميزة والتي يتقنها مع تطويرها بما يتناسب مع المنتج الجديد)، ثم طور زيادة الطلب إلى التوسع والاستحواذ وقبول مخاطر أعلى وهو ما جعله أقوى من قبل الأزمة بل وحولها إلى فرص استفاد منها بتنويع مصادر وسلاسل التوريد ومخاطبة شرائح أكبر وأكثر تنوعاً من العملاء بمنتجاته الجديدة، مع زيادة أصوله وخطوط الإنتاج والعمالة ….إلخ.

والأقوى مما سبق كله… أن هذه الازمة جعلته أقوى وأكثر جاهزية واستعدادا لمواجهة أية أزمة لاحقة، ومع هذا فان الواقع العملي يُظهرعدم مقدرة الجميع على حل معادلة الأزمات فيوجد العديد من الأمثلة محلياً وعالميا لشركات وكيانات اقتصادية كانت تحتل مقعد القمة ثم اندثرت واضمحلت مع أول أزمة ولم تستطع مواكبة التطورات التكنولوجيا، أو تمديد دورة حياة الاعمال الخاصة بها وتقديم منتجات جديدة تلبى احتياجات عملائها وتزودهم بالمنافع المتوقعة منهم من ناحية وعلى الجانب الاخر تمثل للشركة المنتج الذي يلد ذهباً (Cash Cow)، أو حاولت اختراق أسواق جديدة….الخ.

المستوى الثالث
أول مرة ذهب أبنائي إلى البحر وكانت كل معرفتهم السابقة بالمياه هو حمامات السباحة (بمياهها الساكنة) أتذكر فرحتهم وسعادتهم عندما وجدوا موجات البحر تطرحهم أرضاً ثم يقوموا ليواجهها ويتفادوا أن تسقطهم أرضاً من جديد ويظهر عليهم شعور الانتصار على أمواج البحر(دائمة التحرك)عند عدم قدرتها على طرحهم أرضاً، المفارقة أنه كان بجانبهم أطفال أخرين يبكون ويذهبون الى أهليهم ليشتكو من موجات البحر وكيف تعاملهم تلك الموجات.

الفكرة أن الأزمات مثل موجات البحر تماماً فهي متجددة ومستمرة ولن تتوقف ويمكن النظر للأزمة على كونها نهاية المطاف (فنخرج من السوق ونضمحل) أو أنها ” فرص مختبئة ” للتوسع والترقي والانتشار أما أن نختار الاستمتاع بها لأنها فرصة لتقويتك وجعلك منتبهاً ومتيقظاً بل ومستعداً لما بعدها وهذا هو الاتجاه المعاصر للتعامل مع المخاطر في الاستفادة من وجودها وجعلها تعمل لصالحك، أو أن نبكي ونشتكي من وجودها لعدم مقدرتنا على حل معادلة (يقصد بحل المعادلات استنباط وإيجاد القيمة أو القيم المجهولة بالمعادلة بدلالة القيم المعلومة والمعطاة ببقية المعادلة) الأزمة والتى يمكن أن تكون ( الفرصة المختبئة X الميزة التنافسية X المقدرة والمرونة للتكيف مع تغيرات بيئة الاعمال = نتائج مبهرة وغير متوقعة للخروج من الازمة) وذلك مع انتظار الوقت الكافي لاكتمال التفاعلات بين عناصر المعادلة، لذا فمن الجيد الاستعداد مقدماً للأزمة وقراءة الاحداث والمتغيرات المحيطة فى بيئة الأعمال مع الإدراك مقدماً بانها دوماً بيئة متحركة وليست بيئة ساكنة.

الخلاصة
تذكر…أنها موجة عابرة… استخرج منها الفرص المعدة والمخبأة لك بعناية … استمتع بوجودها لكونها أحد عناصر قوتك…. فحجر ” الألماس ” اليوم كان بالأمس مجرد قطعة من ” الفحم ” وتحول إلي أصلب وأقوى وأثمن حجر لانه تحمل ضغوطات ودرجات حرارة عالية لم يكن ليستطع غيره تحملها او المرور بها.

والأهم تذكر أن الله سبحانه وتعالى أرسلها لك ولمصلحتك لتفرح بما بعدها ، لذ أبدأ “بتبديل التصورات الذهنية” عنها من أنها أزمة إلى كونها فرصة.

مصطفى عبده
الخبير الاقتصادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى