محمد عبد العال يكتب .. شخصية الجنيه المصري فى عيد تحريره الرابع
مع بداية عام 2016 ، دخلت مصر فى مواجه أهم تحد فى تاريخها الإقتصادى المعاصر ، فرغم قسوة الظروف، وتنوع المخاطر المحتملة ،وتعدد مصادر المقاومة وشدتها ،أصرت مصر بدعم من الإرادة السياسية متمثلة فى رئيس الجمهورية ، وبتخطيط وتنفيذ من البنك المركزى المصرى على بداية إطلاق برنامج الإصلاح الإقتصادى والنقدى ، ، بكل تحدياتة ،ومتطلباته ،والتى كان فى مقدمتها قرار تحرير العملة الوطنية.
لقد كان ذلك القرار يمثل أحد أهم المتطلبات لنجاح خطة إطلاق برنامج الإصلاح الإقتصادى ، ولكن كان هناك فى ذات الوقت العديد من المخاوف والتهديدات ، كان هناك ما يعرف بالسوق الموازية أو السوق الأسود الذى يحتكر ويتحكم سوق النقد، كانت أية محاولات لتقليص هذا السوق تضييع فى مهب الرياح ، كانت قوى المصالح ومافيا تجار العملة أقوى من كل المحاولات ، وهو ما تسبب فى أن تعانىمصر من شح شديد فى النقد الأجنبى.
واليوم وقد حل العام الرابع منذ بداية تحرير الجنيه ، ما الذى حدث بعد 4 سنوات؟
لقد ترتب على اعتماد آلية تعويم الجنيه المصرى أن تبلورت ثلاث سمات رسمت تطور سوق النقد فى مصر، وحددت شخصية الجنيه المصرى بعد 4 سنوات من التحرير :
أولها : تحول هيكل السوق من سيطرة السوق السوداء ،إلى سوق منظم مؤسسى ، معلن وشفاف ، من خلال القنوات الشرعية فى كل وحدات الجهاز المصرفى المصرى ، ومنه إلى شرايين الإقتصاد المصرى ، واختفت إلى الأبد ولأول مرة ما يعرف بالسوق الأسود .
ثانيها : تغيرت آلية تحديد سعر الصرف من تحكم فئة تجار العملة إلى آلية العرض والطلب ، ووفقاً لآليات السوق المدعمة والموثقة بأحدث وسائل الإتصال والتكنولوجيا المالية التى تضمن التعبير الصحيح على نبض السوق واتجاهاته ، وأصبحت صفقات البيع والشراء الفورية والحاضرة تتم بين سوق الإنتربنك وغرف التداول فى البنوك أو نقدا على كونترات المصارف وشركات الصرافة المعتمدة .
ثالثها : تدفق النقد الأجنبى بكميات طبيعية ومتصاعدة ، لتؤكد صحة نظر مدرسة تحرير النقد وتبلور ذلك فى تدفق – وفقا لتصريح محافظ البنك المركزي -ما قيمتة 431 مليار دولار من الاسواق الدولية وحتى الآن ، هذا التدفق من النقد الأجنبى ساعد على تلبية كل إحتياجات مصر الإستيرادبة ، واختفت عبارة وجود مراكز نقد أجنبى معلقة فى البنوك ، كما ارتفع الإحتياطى النقدى الى مستويات تاريخية ليستقر الآن رغم ظروف كورونا عند ما يزيد على 39 مليار دولار.
إذن كان قرار التحرير صائبا والأمر قد لا يحتاج إلى براهين ، ولكن دعونا نشير إلى بعض أهم الإيجابيات الأخرى :
إرتفعت ثقة المتعاملين والمستثمرين الأجانب والمصريين فى الجنيه المصرى ، وهو الأمر الذى ساعد على استقراره ، وساعد أيضا فى إنجاح خطط تنفيذ برنامج الإصلاح الإقتصادي.
ساعد استقرار سعر الصرف على نجاح السياسة النقدية المرتبطة بأسعار الفائدة فى شقيها التقييدى والتيسيرى ، وهو الأمر الذى دعم البنك المركزي فى السيطرة على التضخم واستقرار الأسعار ، وشجع رجال الأعمال والمنتجين على زيادة طلبهم على الإئتمان المصرفي.
أدى إستقرار سعر الصرف إلى تحسن آداء الجنيه المصري ليكون من أفضل عملات الدول الناشئة فى العالم ، وأدى إلى زيادة الطلب على الإستثمار غير المباشر من المستثمرين الأجانب فى أوراق الدين العام .
إستقرار سعر الصرف كان أحد عناصر القوة التى حدت بمؤسسات التقييم الدولية فى تثبيت تقيم مصر الإئتمانى عند+B ، رغم ظروف جائحة كرونا ، وهو الأمر الذي مهد الطريق لمصر لتنفبذ إستراتجية جديدة لقروضها بالتوجه إلى القروض الأقل كلفة والأطول أجلا ، عن طريق اللجوء إلى أسواق السندات الدولية .
ساعد استقرار سعر الصرف مع وجود فارق عائد حقيقى بين الجنيه المصرى وعوائد العملات الأخرى إلى زيادة تحويلات المصريين العاملين فى الخارج وتحقيقها رقما قياسيا تاريخيا مسجلة 27.8 مليار دولار .
لقد كان برنامج الإصلاح الإقتصادى ، وجوهرته قرار تحرير العملة ، هما طريق العبور للإنطلاق الإقتصادى.
محمد عبد العال – الخبير المصرفي