محمد عبد العال يكتب : الطموح والمرونة والإلزام .. صفات جديدة لمبادرة التمويل الأصغر المتجددة
المشروعات والمنشآت المتوسطة ، والصغيرة ، ومتناهية الصغر ، هى بحق الركيزة الأساسية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية فى كل الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ، حيث تشكل تلك الأنشطة 90% فى المتوسط من إجمالي المشروعات القائمة فى العالم.
وفى مصر تساهم تلك المشروعات بنحو 80% من إجمالي الناتج المحلي ، وتمثل المشروعات الصغيرة 13% من قيمة الإنتاج الصناعي ، فهي إذن أحد أهم دعائم الإقتصاد القومي، بل هى من أهم أدوات الدولة لمكافحة البطالة ورفع معدلات التشغيل وتحقيق الأمان الإجتماعي.
هي مصدر رئيسي لسد إحتياجات السوق المحلي وإنتاج سلع وسيطة ومستلزمات إنتاج بديلة للإستيراد ، وأخرى للتصدير ، وتعمل على زيادة درجة منافسة السلع المصرية فى الأسواق الدولية ، وبالتالي تساعد على توازن الميزان التجاري ، وزيادة تدفق النقد الأجنبي ، وتساعد على زيادة الدخل القومي ودخل المواطن.
ولكن على الرغم من أهمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ، إلا أنها دائماً ما تكون في حاجة مستمرة للحصول على التمويل المالي اللازم لسريان دورة إنتاجيتها، وهو الأمر الذي كان دائماً محل الإهتمام الرئاسي عبر توجيه كل صناع السياسات المرتبطة بتلك الأنشطة ، وعلى رأسها البنك المركزي المصري ، وتكليفهم للبحث عن بدائل وأساليب ومبادرات تتيح التمويل لتلك القطاعات الحيوية في المجتمع.
من هنا جاءت المبادرة الجديدة للبنك المركزي المصري ، إستجابة للتوجيهات الرئاسية ، والتي تعتبر بمثابة حلقة جديدة في سلسلة مبادرات البنك المركزي ، التى استهدفت هذه المرة مزيداً من دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ، حيث أوضحت المبادرة أن فلسفتها تكمن في أن دعم تلك الأنشطة هو هدف إستراتيجي تتبناه الدولة ، وأنها جزء من رؤية 2030.
ومن هنا يمكن القول أن المبادرة الجديدة تتصف بصفات ثلاث ، أنها واضحة الطموح ، ملزمة وحاكمة ، وقابلة للقياس والمتابعة.
من ناحية الطموح ، نجد أن المبادرة الجديدة لم تكتف بالإحتفاظ بكل المميزات والمحفزات التي وردت في المبادرة الأولى فقط ، بل رفعت الحد الملزم للبنوك لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة ليكون 25% بدلاً من 20% من إجمالي محفظة القروض لديها ، وهو الأمر الذي يوفر نحو 117 مليار جنيه تمويلاً إضافياً للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر ، كما أضافت المبادرة الطموحة، حدا جديدا ، بتخصيص 10% كحد أدنى من محافظ التمويل لصالح الشركات الصغيرة ، وهو ما يؤدى إلى ضخ تمويل إضافي لتلك الشركات الصغيرة فى حدود 55 مليار جنيه.
أما من حيث مرونة المبادرة الجديدة ، فقد تجلى ذلك فيما تضمنته من تيسيرات متعددة ، أهمها امتداد المبادرة لمدة عامين قادمين ، ليصل حجم التمويل المتوقع إلى نحو 120 ألف شركة ومنشأة ، توفر مليون فرصة وظيفية.
كما أطلقت المبادرة حرية البنوك في تمويل الجمعيات والمؤسسات وشركات التمويل متناهي الصغر الأهلية بشروط معينة ، كما سمحت بتمويل الشركات التي يبلغ حجم مبيعاتها السنوية أقل من 20 مليون جنيه ، دون الحصول على قوائم مالية معتمدة ، والإكتفاء بتحليل بيانات باستخدام نماذج التحليل الرقمي.
أما من حيث القياس والمتابعة ، فقد طالب البنك المركزي المصري البنوك العاملة بوضع خطط لتحقيق النسبة المقررة فى تاريخ غايته 31 مارس القادم ، حتى يتمكن من متابعة التنفيذ كل ربع سنة ، كما أنه يتعين على البنوك التي لن تحقق النسب المطلوبة إيداع قيم الأرصدة المكملة لدى المركزي بدون عائد.
فعلا ستكون المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر قاطرة الدولة المصرية للتنمية الشاملة والمستدامة.
محمد عبد العال – الخبير الإقتصادي