محمد عبد العال يكتب .. ” البيتكوين ” بين الواقع والخيال
حسنا فعل البنك المركزى المصرى ، بإصداره اليوم ، تحذيراً واضحا ، وحاسما ، للمواطنين المصريين يحذرهم من مخاطر التعامل ، وتداول العملات المشفرة ، والمضاربة فيها بشكل عام ، وعملة البيتكوين بشكل خاص.
وحقيقة الأمر أن هذا التحذير الوقائي جاء فى وقته تماماً ، بعد أن بلغ الجنون بالتحركات السعرية لعملة البيتكوين لتتجاوز أسعارها الستين الغف دولار ، وهو أمر غير مسبوق تاريخيا و غير موضوعى ، مقارنة بسعرها الذى لم يزد عن بضعة سنتات عند صدورها فى عام 2009.
وعملة البيتكوين تتصف بمزيج من المسميات تعكس شخصيتها ، وتفسر بعض أسباب الطلب عليها ، وأيضا درجة خطورتها ، فهى عملة وهمية ، إفتراضية ، مشفرة ، غير ملموسة ، ويتم تداولها عبر الإنترنت ، كما أنها عملة لا مركزية ، لا تخضع لاغشراف أى جهة إدارية ولا حتى البنوك المركزية ، وبالتالى هى ليس لها غطاء إصدار قانوني ، ولا يمكن التنبؤ بتوجهات واحتمالات أسعارها ، وتعتمد فى حفظها ومسارها السري على نظام تكنولوجي معقد يسمى البلوك تشين ، والذى يضمن لها خصوصية وسرية وسرعة التعامل فى التحويلات وإتمام الصفقات بشكل مباشر من شخص وشخص آخر ، بدون تكاليف تذكر.
وهناك فرق كبير بين العملات المشفرة ، وفقا للسياق السابق ، وبين العملات الرقمية ، المشفرة ، التى أصدرتها بعض البنوك فى نطاق التجارب الأولية لدراسة إمكانية الاتاحة المستقبلية لعملتها للتداول الرقمى تحت سيطرتها و إشرافها الكامل، وفي إطار محددات غطاء الإصدار والسياسة النقدية المحددة للبنوك المركزية لتلك الدول.
ونرى فى على الساحة بعض من تلك التجارب فى المانيا ، وفرنسا والصين ، وهناك أيضا أفكار ومشروعات تحت الدراسة من قبل بعض الشركات التجارية والتكنولوجية الكبرى التى تدرس أيضا _ بعد حصولها على موافقة الجهات الرسمية المختصة _ إصدار عملات رقمية مثل فيس بوك التى تدرس إصدار عملتها الرقمية” الليبرا ” للتداول فى نطاق العملاء التابعين لها.
ولكن لماذا ارتفعت اسعار البيتكوين هذا الإرتفاع الجنوني منذ مطلع العام الحالى؟
يرجع ذلك لأسباب تقليدية قديمة مرتبطة لدى بعض المتعاملين وتدافعهم بالمضاربة على سعرها نظرا لطبيعة ندرتها ، حيث أن كل المتاح منها وفقاً لبرنامج صدورها هو واحد وعشرون مليون وحدة بيتكوين فقط وحتى عام 2140 ، والباقى منها حتى الآن هو 18500 مليون وحدة ، يضاف على ذلك الأسباب النفسية المرتبطة بطبيعة التعاملات والتى تجد لها قبولا عند المضاربين والمتعاملين ومنها السرية ، والسرعة فى التعامل وإمكانية استخدامها فى تسوية صفقات غير شرعية وبعيدا عن أجهزة الرقابة.
وهناك مجموعة أخرى من الأسباب المستحدثة ، منها تداعيات جائحة كورونا العالمية ، وانخفاض أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي واليورو ، إلى مستويات صفرية ، وهو الأمر الذى دعى المستثمرين للتوجه إلى العملات المشفرة كملاذ آمن كالذهب.
وهناك سبب هام آخر تولد نتيجة حدوث تغير فى ثقافة الطلب على عملة البيتكوين فى الشهرين الأخيرين من أن يكون قاصرا على الطلب الفردى إلى تواجد طلب من مؤسسات كبرى لها تأثير مادى ونفسى على أوضاع الأسواق المالية.
ومن أهم تلك الشركات نجد شركة ” تسلا ” للسيارات الكهربائية حيث أعلنت الإستثمار بمبلغ 1.5 مليار دولار فى تلك العملة وأعلنت أنها قد تقبل الدفع بالعملة المشفرة الرقمية فى أقرب وقت ، كما سمحت شركة” باى بال “لقاعدة مستخدميها البالغة 350 مليون مستخدم باستخدام البيتكوين فى تسوية تعاملاتهم معها.
كما أن أحد كبريات البنوك العالمية ذكر أن سعر وحدة البيتكوين يمكن أن يرى ال 146 ألف دولار ، كل مثل تلك الأسباب وغيرها ، ومع محدودية عرضها وزيادة الطلب عليها من المضاربين ارتفعت أسعارها إلى المستويات الحالية.
ورغم هذا الإرتفاع السعرى خاصة منذ بداية العام الحالى الذى قفزت فية البيتكوين أربع مرات ، فإن المخاطر الكامنة فى تغير السعر أيضا كبيرة جدا ، فهذه العملة درجة التذبذب المحتملة فى أسعارها مرتفعة جدا مقارنة بمتوسط تذبذب بعض الأصول الأخرى.
فمثلا الذهب يتذبذب فى مدى من 10 الى 20 فى المائة على فترة زمنية طويلة نسبياً ، ومؤشر ستاندرز آندبور يتذبذب فى حدود 15 الى 16% بينما نجد أن متوسط تغير أو تذبذب البيتكوين يكون 90%.
إن العملات المشفرة يمكن أن يتغير سعرها فى يوم واحد بنسبة قد تصل الى 40% صعودا وهبوطاً ، وهو ما بجعل المتاجرة فيها أمر شديد المخاطر ، هذا بالإضافة الى أنها أصل غير ملموس على عكس الذهب الذى تبلغ القيمة السوقية لقاعدته المتاحة 12 ترليون دولار ، بينما البيتكوين بلغت وفقا لسعرها الحالى واحد تريليون فقط.
ويتفق البنك الإتحادي الفيدرالي الأمريكي مع كثير من البنوك المركزية فى العالم وأيضاً البنك المركزي المصري ، فى تحفظه حول تداول العملات المشفرة ، وأيضا وزيرة الخزانة الامريكية صرحت مؤخراً أنها لا تشجع التوجه للعملات المشفرة وأن الأمر يحتاج أولا لموافقة الكونجرس الأمريكي ، وهو أمر صعب ، كما حذر بيل جيتس مؤسس ميكروسوفت من التعامل فى العملات المشفرة.
وبحسب البيان الذى أصدره البنك المركزي المصري ، ووفقاً للقانون ، أوضح بجلاء ثلاث محددات مهمة هى :
• حظر تام لإصدار العملات المشفرة فى مصر أو الإتجار فيها أو الترويج لها أو تشغيل منصات لتداولها.
• التحذير الشديد من خطورة الإستثمار فى مثل تلك العملات نظرا للمخاطر السوقية الكامنة فيها.
• التأكيد على قصر التعامل فى مصر على العملة المصرية ، والعملات العربية المعتمدة من البنك المركزي.
وتواضعا ، أرجوا قبل أن نتحمس للولوج وراء الثراء غير المضمون ، أن نحسب ونقدر ، أولا ، قدرة كلٍ منا على تحمل الخسائر المحتملة.
محمد عبد العال – الخبير الإقتصادي