مصطفى عبده يكتب عن.. معامل بيتا ( β ) وقوة التصورات الذهنية
المستوى الأول
تكلفة رأس المال = العائد الخالي من المخاطر + ( معامل بيتا x علاوة على المخاطرة بالاستثمار)
في المعادلة المبسطة أعلاه عادة ما يقصد بتكلفة رأس المال بأنه معدل العائد المطلوب من المستثمرين نتيجة قيامهم بالعملية الاستثمارية (لتفاصيل أكثر – يمكن الرجوع لمقالة العملية الاستثمارية )، في حين يقصد بالعائد الخالي من المخاطر عادة بالعائد على الاستثمار في أذون الخزانة التى تصدرها الحكومة لكونها مضمون استردادها بالكامل (بدون أي مخاطر أئتمانية أو أخفاقات في السداد …إلخ) ، ويضاف إليها علاوة (زيادة) بنسبة العائد المطلوب من المستثمرين (وهى أيضا معادلة تمثل الفرق بين متوسط العوائد السوقية الحالية والعائد الخالي من المخاطر) وبمثال رقمي بسيط للتوضيح (مع تجاهل معامل بيتا) وبأفتراض أن العائد على أذون الخزانة هو 10% ومتوسط العائد السوقى الحالي مثلاً 16% فان المعادلة تكون :-
تكلفة رأس المال =10% + ( 16% – 10% ) = 16 % وهو الحد الادنى من العائد الذي قد يرغبه المستثمر لقيامه بالاستثمار في نشاط ما.
أذن فما هو معامل بيتا (وذلك بغض النظر عن طريقة احتسابه وأنواعه المختلفة) وما هي أهميته في المعادلة أعلاه ؟
معامل بيتا هو عبارة عن نسبة مئوية تعبر عن مدي تأثر “علاوة الاستثمار” بالتغييرات والتقلبات نتيجة طبيعة الاستثمار نفسه أو طبيعة القطاع المستثمر وبما يعكس المخاطر المالية ومخاطر الاعمال فيه فاذا كانت النسبة 70% فيعنى ذلك ان تلك العلاوة ستنخفض بنسبة 30% وستتأثر بشكل كبير للتغيرات والتقلبات في بيئة اعمال هذا الاستثمار وكلما انخفض المعدل كلما دل على شدة حساسيته وسرعة تأثره بتلك التقلبات أما إذا كانت النسبة 100% فمعنى ذلك أن هذا الأستثمار سيكون محايد عند حدوث أزمة أو تقلبات أما إذا كانت النسبة مثلا 130 % فتعنى أن الطلب على مثل هذا النوع من النشاط سوف يزداد وبالتالي سوف تزداد عوائده بنسبة زيادة قدرها 30 % على سبيل المثال.
فمعامل بيتا يمكن النظر إليه ” إن جاز لنا التعبير ” على كونه “معامل تصحيح” أو “معامل ثقة” فى العلاوة المطلوبة من المسثمرين ففي حالة الازمات (مثل بدايات أزمة كورونا) كانت أكثر القطاعات تأثرا وأكثرها حساسية للأزمة هى مثلا أنشطة قطاعات المقاولات (وبالتالي ما يرتبط بها من صناعات) والسياحة و وسائل الأنتقالات لذا (يستخدم معامل بيتا لها أقل من 100% ، أحيانا يمكن استخدام المعامل في صورة غير مئوية مثل 0٫8) في حين أن أنشطة قطاعات مثل الأغذية والمنتجات الطبية وقطاعات الاتصالات والانترنت (ما يتربط بهم من برامج وتطبيقات) كانت أقل تأثراً وأقل حساسية لتلك التقلبات وزاد الطلب عليها بصورة اكبر مما قبل الأزمة مما زاد من عوائدها (فهنا معامل التصحيح سيرتفع عن 100% وقد يصل ويتخطى نسبة 150% او 1٫5).
المستوى الثاني
أبريل عام 1993م يمثل هذا التاريخ نقطة تحول وعلامة فارقة في عمر شركة IBM”” أحدى أكبر شركات أجهزة الكمبيوتر حول العالم فقبل هذا التاريخ كانت شركة IBM تخسر أموالًا أكثر مما خسرته أي شركة في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية فقد وصلت خسائرها الى 8٫10 مليار دولار أمريكي للسنة المالية 1992م بسبب ضعف وقلة مبيعات الحواسيب المركزية الأساسية لشركة IBM بسبب ظهور الكمبيوتر الشخصي ولم تستطع شركة IBM التنافس مع المنافسين الأصغر حجما والأقل تنوعًا وكان الحل ” المنطقي والعقلاني ” من رأي الرئيس التنفيذي للشركة وقتها “جون أكيرز” (John Akers) هو تقسيم شركة IBM إلى وحدات عمل مستقلة (مثل المعالجات والتخزين والبرمجيات والخدمات والطابعات…الخ) والتي يمكن أن تنافس بشكل أكثر فعالية مع المنافسين الذين كانوا أكثر تركيزًا ورشاقة ولديهم أقل هياكل التكلفة، إلا أن مجلس الادارة رفض ذلك الرأي وأجبروه على تقديم استقالته وتم تعيين الرئيس التنفيذي ” لويس جيرستنر ” (Lou Gerstner) والذي لم يكن تقنياً ولكن كان لدى “جيرستنر” الحس السليم لبدء الاستماع إلى العملاء وإدراك أن إحدى أعظم نقاط قوة IBM كانت قدرتها على تقديم حلول متكاملة للعملاء لذا فقد كان شغله الشاغل هو تحويل ” التصورات الذهينة ” لدى عملائه من النظر لشركته من كونها موردة لاجهزة وبرامج وطابعات …إلخ، الى كونها شركة قادرة على تقديم “حلول أعمال متكاملة ” تخدم وتلبى إحتياجات عملاءها .
ولا شك أن التصور الذهنى لتقسيم الشركة كان سيقضي على الميزة التنافسية الفريدة لشركة IBM، ومن هنا تظهر قوة ” تبديل وتحويل التصورات الذهنية ” في الخروج من الازمات وأعتبارها عامل مساعد فى المقدرة والمرونة للتكيف مع تغيرات بيئة الأعمال (كأحد عوامل حل معادلة الازمة – لتفاصيل اكثر راجع المقالة السابقة بعنوان “الازمة” ).
المستوى الثالث
تستطيع الشركات والمؤسسات تبديل التصورات الذهنية عنها من خلال الاستعانة بمستشارين أوخبراء أو بتغيير أحد كوادرها فى الادارة العليا أو حتى قد يقوم الملاك وأصحاب المصالح الرئيسيين بتغيير الرئيس التنفيذي أن تطلب الامر كما في المثال أعلاه وخاصة في الشركات التي تطبق الحوكمة المؤسسية (ويصعب تطبيقها نوعاً ما في الشركات العائلية)، إلا أننا هنا وعلى المستوى الشخصي قد يصعب تبديل التصورات الذهنية عن ” أنفسنا ولأنفسنا ” للإرتباط الوثيق بين مشاعرنا وأفكارنا وأحاسيسنا وخبراتنا وخلفيتنا…الخ ، وذلك للعديد من الأمور منها التعود على أدارة حياتنا بالشكل الروتيني المعتاد أو التخوف من المخاطرة أو حتى عدم رغبتنا للتطوير والتدريب على أكتساب مهارات مختلفة عما وعمن حولنا ، فضلا عن صعوبة تقبل تغير رأي الاخرين عنا لما قد نتبناه من تصورات ذهنية مختلفة عنهم .
ودعنا نتخيل المثال التالي لمحاولة تفهم كيفية عمل وقوة تبديل التصورات الذهنية (منقولة بتصرف من انتوني روبنز وستيفين كوفي).
” كانت الرحلة الاخيرة لمترو الانفاق في هذه الليلة وركب صديقنا العربة بعد أنتهاء عمله وجلس بجوار راكب أخر يتصفح جريدة وعلى الجهة المقابلة له سيدة كبيرة تنسج ما يشبه الشال باستخدام الخيوط وعصا الكروشيه، وقبل ان تغلق العربة ابوابها ليتحرك المترو دخل رجل في منتصف العمر ومعه ثلاث أطفال وجلس أمام صديقنا وبمجرد جلوسه أرجع رأسه للخلف وأغمض عينيه وما أن أغلق المترو أبوابه الا وقد بدأ الاطفال يعيثون فسادا في العربة ويجرون وراء بعضهم البعض مع الصراخ بأصوات عالية ويجذب أحدهم الجريدة من يد قرائها تارة ويجذبون الخيوط من يد السيدة المسنة تارة اخرى وأبوهم تاركهم بدون توجيه أى كلمة مما أثار حفيظة كل من في العربة من سلوكهم وسلوك أبيهم المستفز (من وجهة نظرهم ) ، فما كان من صديقنا إلا أنه وجه لأبيهم التالي “يا صديقى الا ترى أن أولادك يضايقون الركاب الا تتصرف أم انك لا تستطيع السيطرة عليهم” ، وهنا فتح الرجل عينيه وارجع رأسه للامام قائلا فعلا معك حق أنا لا استطيع السيطرة عليهم أو حتى أعرف كيف أتصرف … لقد توفت أمهم من ساعة بالمستشفى وهم لا يعلمون إلى الأن ولا أعرف كيف أخبرهم أو كيف أتصرف – لاحظ كيف كانت مشاعرك كقارئ قبل وبعد كلام الرجل وكيف تبدلت تصوراتك الذهنية وتقديرك للموقف بالكامل. وهو ما حدث مع صديقنا من تغير نبرة صوته وتعاطفه معه ومحاولة مواساته …الخ. ثم سريعا ما جأت محطة صديقنا ونزل ليصل الي بيته وما أن دخل بيته حتى وجد ابنه ذو الستة أعوام يبكي بشدة ويجري عليه ويتكلم بصوت غير مفهموم من شدة بكاءه فحاول الاب تهدئه ليفهم منه سبب بكاءه وبعد عدة محاولات قال له ابنه لقد توفي زميلى وصديقي العزيز “فلان” اليوم ولن أراه أبداً بقية عمري لماذا هذا وهو صغير لماذا مات … مع بكاء شديد, وهنا نظر الأب لعين أبنه مباشرة وقال له ” هل تتذكر اين كنا يوم الجمعة الماضية، فرد الابن وهو يحاول التذكر … كنا في الحديقة المجاورة لمنزلنا قل له الأب تمام وهل تتذكر ما وجدناه وما قولته لك عنه… هدأ الأبن قليلا محاولا التذكر بالرغم من بكائه وأجاب بالنفي بأنه لا يتذكر فقال له الأب لقد رأينا دودة تزحف على جذع الشجرة بالحديقة وبجوارها شرنقة وقولت لك إن بداخل تلك الشرنقة دودة أيضا ولكنها تحولت الأن إلى عصارة لزجة (مثل عصير المانجو) وهنا رد الإبن صحيح يا أبي وقولت لي انها ستتحول بعد ذلك إلى فراشة جميلة مثل التى رأينها قبل ذلك بمدة ، وهنا سأله الاب قائلا ما رأيك ايهما أجمل الدودة التي تزحف ام الفراشة ذات الالوان الزاهية الجميلة وتطير بجناحيها في كل مكان ورد الابن بسرعة الفراشة طبعا لانها تطير في كل مكان، فقال له الاب وهذا رأئي أيضا فانا واثق ان صديقك الان في مكان اوسع ولديه اجنحة جميلة جدا يطير ويحلق بها في كل مكان ومؤكد أنه سعيد جداً بذلك ألا تحب أن يكون صديقك سعيد ، أن كنت أنا مكانك ما بكيت أبدا وبدلا من ذلك لفرحت له ولسعادته ألا تتفق معي.. ورد الأبن بكل سعادة فعلا معك كل الحق يا أبي …أنا فرحان لصديقي لأنه أصبح لديه اجنحة الان.
التفسير
يعتبر ألم الفقد (سواء كان الفقد كلياً بالموت مثلا أو جزئياً مثل فقد أحد أهم عملائك أو أحد الموردين أو وظيفة ما أو مكانة معينة أو حصة سوقية أو صديق ما ….إلخ) من أشد أنواع الألم لما يحتويه من ذكريات وأمور مشتركة تنقطع عند حدوث الفقد وقد يترتب عليه حدوث شيء من عدم الاتزان والتوازن (انظر لما حدث عند انقطاع مواقع التواصل وفقدها للتواصل على منصاتها يوم 4 اكتوبر 2021 لمدة 6ساعات وهو فقد جزئي ) وهو ما يحتاج لتغيير التصورات الذهنية وهو ما أستطاع ان يفعله الاب هنا ببراعة واتقان.
ولا شك أن التصور الذهنى للأبن بفقد صديقه للأبد كان سيمثل له صدمة كبيرة ستمتد معه لفترة من الزمن إن لم يستطع أبيه أن يبدلها ويصححها له … وهذه هى قوة التصورات الذهنية في تغيير وتبديل الحالة الواقعية بصورة فعلية وليست بصورة تخيلية أو مجازية… فبكاء الطفل ناتج من تصوره الذهني بفقد صديقه ،اما نومه هادئاً وسعيداً كواقع فعلي نتيجة تغير تصوره الذهني عن مكان وسعادة صديقه.
الخلاصة
يقول الله سبحانه وتعالي في سورة الزمر الأية 18 ” الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنهُ ” صدق الله العظيم … تأمل معى هذه الكلمة ” أحسنهُ ” !! … فهذه الكلمة تحتوى وتتضمن على قدر هائل وضخم من القدرة على الادراك والمقدرة على التمييز بين الغث والسمين وبين الجيد والردئ وبين الحسن والاحسن وهو أمر صعب جدا فمن السهولة التميز بين الرَّثِّ والْجَدِيدَ لانه مَرئِيّ أما السمعي فهو قد يحتاج الى استخدام معامل بيتا (معامل تصحيح او معامل ثقة أو معامل تعظيم أو حتى معامل سالب) لتعديل التصورات الذهنية وتبديلها للخروج من موقف ما …. ويقصد بمعامل التعظيم هو كأن تستخدم نسبة 2000% للتأكيد على صحة ما تسمعه وبالعكس للمعامل السلبي مثل ( – 100% ) لتنفي صحة العبارة … ودعنا نختبر صحة ذلك أن اخبرك احدهم “بأنك غير قادر على البدء بالمشروع الفلاني أو أنك لن تستطيع تحقيق المستهدف العلاني أو أن خبرتك لا تؤهلك للاستحواذ على الشهادة أو المنصب أو الشركة أو……الخ ” في رأيك ما هو المعامل المناسب من وجهة نظرك لتبديل تصوراتك الذهنية هل ستستخدم معامل تأكيد وثقة بنسبة 80% (وهو مايعنى صحة العبارة بنسبة 80% وبنسبة 20% يحتمل خطأئها ويوجد أمل في تحقيق ما تستهدفه بنسبة 20%) أم تستخدم معامل تعظيم بنسبة 900% مثلا مثلما فعل “جون أكيرز” وتتماشي مع توقعات السوق، أم أنه من المناسب استخدام لمعامل سالب قدره – 100% (وهو ما يعني أنك تستطيع تحقيق ما تستهدفه بعكس توقع قائل العبارة) ومثلما فعل ” لويس جيرستنر ” بالمثال أعلاه …. بالنسبة لمنحنى التوزيع الطبيعي فان 5% سيقومون بتعظيم العبارة و 5% الاخرين سيستخدمون معامل بالسالب لتصحيح العبارة والغالبية العظمي 90% سيتنوعون في أختيار معامل بيتا المناسب معهم … اى بعبارة اخرى لن تجد من يتفق على نسبة واحدة وهو ينطبق على القطاع ” الذى لديه الادراك او الرغبة في الادراك ” للوصول لمعنى ” أحسنهُ ” …. وهم قلة على كل الاحوال…. مثلهم مثل المستثمرين الذين يبحثون دوماً عن أفضل وأحسن العوائد مقارنة بالاكثرية وهم المستهلكين الذين يبحثون دوماً عن اقل التكاليف والنفقات.
وختاماً دعنا ننهى هذه المقالة بلغز …عن معامل بيتا المناسب … للعبارة الاتية … ” أنك لن تستطيع ادخال دباسة معدنية … فى علبة كبريت كرتونية “.
مصطفى عبده
الخبير الإقتصادي