محمد عبد العال يكتب عن … المسئولية المجتمعية للمؤسسات المصرفية
يختلف دور البنك المجتمعي من مجرد الاقتصار على التبرع ومنح المساعدات لأسلوب حياة
حتى عهد قريب ، كنا نحن قادة العمل المصرفي، يمكثون أياماً لرسم خطة البنك الإستراتيجية ، التي تم اختيارها ، ومن ثم اشتقاق كل الخرائط الإستراتيجية ، التي يمكن أن تحقق أعلى مستوى لخلق القيمة في 3 جوانب مهمة ، أولها كيفية تعظيم معدل تراكم الثروة ، أو زيادة صافى أرباح مساهمي البنك أو مالكيه ، ثانيها التفكير في كيفية زيادة القيمة لعملاء البنك عن طريق العمل على رفع درجة رضاهم بشكل مستمر ، والجانب الثالث مرتبط بعملية التطوير الهيكلي داخل البنك من تكنولوجيا وسياسات وإجراءات عمل ، وخدمات ومنتجات مصرفية مبتكرة وكيفية خلق القيمة لصالح موظفي وكوادر البنك.
حقيقة الأمر هذا الفكر المصرفي في هذا المجال لم يستمر طويلاّ على ذات النهج ، لأنه من خلال الممارسة العملية واختبار وقياس نتائج تلك الاستراتجيات ودرجة نجاحاتها ظهر جلياً أن هناك جانب رابع لا يقل أهمية عن الجوانب الثلاث السابقة هو الجانب المرتبط بخلق القيمة للمجتمع المحيط خارج البنك ، حيث أكدت نتائج الدراسات و الاختبارات أن البنوك التي أرست قيم ومبادئ المسئولية المجتمعية من قبل كانت هي الأقدر دائما على تخطى أية أزمات كصدمة “كوفيد19” ، وهى الأقدر دائماً على المنافسة المحلية والخارجية ، وهى الأقدر على اكتساب ثقة العملاء ، والثقة تعنى مزيد من الترابط والولاء بين العملاء القائمين ومزيد من العملاء الجدد.
والمسئولية المجتمعية ليست فرضاً على البنوك ولكنها حقاً للمجتمع ، وهى ليست عملا تطوعياً ولا عملا خيرياً ، ولكنها أصبحت تشكل ظاهرة اقتصادية واجتماعية مهمة تستحق الالتزام بمبادئها ومتابعة نتائجها ، بل واقتراح مؤشرات لقياسها، والبنوك أدركت بفطرتها المجتمعية وحسها المهني أن معظم العملاء في مناطقهم يفضلون التعامل مع البنوك التي لها بصمات ظاهرة وملموسة في تحسين المجتمع المحيط ، من خلال مسئوليتهم المجتمعية ، وأصبح هناك منطق جديد وهو أنه إذا كان من أهداف البنك تعظيم الربحية فإنه يتعين استخدام جزء من تلك الأرباح في تنمية المجتمع.
وتتفرع المسئولية الاجتماعية للبنوك إلى اهتمامات مجتمعية مرتبطة بالمجتمع الداخلي أو داخل البنك ، ويقصد بها الاهتمامات التي توجه لموظفي البنك لرفع مهاراتهم الشخصية وتوسيع وتحسين حزم الرعاية الصحية والتأمينية ومنحهم مميزات غير مادية تخفف عنهم الأعباء الضرائبية ، أو اهتمامات خارجية تمس هموم واحتياجات المواطن أو العميل خارج البنك، وهى ما يمكن أن تمتد لتشمل تطوير وتحسين بيئة العمل ورعاية المتفوقين والموهوبين.
وكما سبق أن ذكرنا يختلف دور البنك المجتمعي من مجرد الاقتصار على التبرع ومنح العطايا والمساعدات لبعض الجهات لمساعدة الفقراء خاصة وقت الكوارث ، ليتحول لأسلوب حياة ، وهى عملية تكاملية تبادلية بين المصرف والمجتمع ، فالبنوك والمؤسسات المصرفية الكبرى يمكن لها من خلال أداء مسئوليتها المجتمعية المساهمة إيجاد حلول للقضاء على العشوائيات ومحو الأمية وخفض حدة الفقر وصولا إلى الصور الجديدة للمسئولية المجتمعية ، مثل خطط تخفيض حالات الاحتباس الحراري وغيرهاً.
في تصوري أن توحيد وتنظيم جهود البنوك تحت مظلة واحدة ، ربما تكون خطوة تساعد على أن تكون تلك الجهود أعمق تأثيرا وأفضل أداء ، ومن هذا المنطلق فإن اقتراح قيام اتحاد بنوك مصر بتشكيل لجنة تنسيقية دائمة لرعاية جهود البنوك كلها بخصوص المسئولية المجتمعية ، وتنسيقها وتنظيمها بجهد مشترك ربما تكون فكرة جيدة.
وقد يكون من مهام تلك اللجنة وضع تصور للحد الأدنى الذي يتعين أن يساهم به كل بنك وربطه بمؤشر عادل كنسبة من الأرباح السنوية مثلا ، كما يمكن تشكيل لجنة أخرى للأبحاث لتحديد ودراسة خريطة للعمل المجتمعي للبنوك ، واقتراح وتجميع أفكار رائدة يخدم عملية التطوير والابتكار في مجالات وتطبيقات المسئولية المجتمعية للبنوك المصرية ، كما أنه قد يكون من المناسب التفكير في إنشاء صندوق استثمار اخضر لا يهدف للربح تكتتب فيه البنوك ، وربما بعض المتبرعين من المواطنين ، وتوجه إيراداته إلى مشروعات تقع في نطاق المسئولية المجتمعية للبنوك ، إلى جانب الحاجة الماسة لإبراز أهمية ودور إدارات الاتصال المؤسسي في البنوك للمشاركة في إنجاح أهداف وأدوار البنوك في العمل المجتمعي المتطور.
محمد عبد العال
خبير مصرفي