عبد العال يكتب عن.. السندات الحكومية الدولية الخضراء
أعلنت وزارة المالية عن تشكيل لجنة لوضع الأسس والقواعد اللازمة لطرح اول إصدار حكومى للسندات الخضراء فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، وهى من أحدث الأدوات التمويلية فى أسواق المال الدولية حالياً ، فما هى طبيعة تلك السندات الملونة التى ربما تتعدد فى المستقبل القريب كألوان الطيف ؟ وما الفرق بينها وبين السندات العادية ؟ وكيف تستفيد منها مصر ؟
قبل عقد من الزمان شعرت مجموعه من صناديق التقاعد بالقلق خوفا من المخاطر المُحتملة على محافظهم الاستثمارية من جراء ظاهرة تغير المناخ ، ومن ثم اخذوا فى البحث عن منتج جديد يأ خذ شكل السند ، ويتمتع بالسيولة ، ولا ينطوى على مخاطر إضافية ، وفى نفس الوقت يحقق لهم ما يستهدفونه من ان اموالهم المستثمرة تكون موجهه فعلاً لتمويل مشروعات تأخذ فى إعتبارها تقليص المخاطر البيئية والإجتماعية وتساعد على رفاهية المجتمع ، وبرعاية البنك الدولى.
تم تصميم وإصدار اول سند أخضر فى عام 2008 ، حيث لاقى إهتماما وقبولاً فى دوائر أسواق المال فى كل العالم ، وساعد على ذلك زيادة الوعى بالمخاطر التى تكتنف ظاهرة تغير المناخ ، وأصبحت تلك السندات المبتكرة مع مرور الوقت ،تعرف بالسندات الصديقة للبيئة فهي تمول مشروعات خضراء ونظيفة ،وأصبح الفرق بينها وبين السندات التقليدية العادية واضحاً.
فحينما تفكر دولة أو مؤسسة فى الاقتراض عبر أسواق المال ، وليس عبر الاقتراض المباشر من البنوك ، فهى تقوم بإصدار سندات ، فى مثل تلك السندات العادية لا يهتم ولا حتى يبالى كلٍ من مُصدِر السند أو المستثمر ، بالآثار البيئية والاجتماعية الضارة التي يمكن ان تفرزها المشروعات التى تمولها أموال تلك السندات كالمشروعات الملوثة مثل مصانع الإسمنت والأسمدة.
وعلى العكس تماما في حالة السندات الخضراء ، حيث يهتم المستثمرين بالاهداف الاجتماعية والبيئية لاستثماراتهم جناً الى جنب مع الأهداف المالية الاخرى ، ومن أمثلة تلك المشروعات مشروعات الطاقة المتجددة النظيفة ، والمشروعات التى تقلل من الانبعاث الحرارى .ولذلك يتم في الغالب اعفاء تلك السندات من مختلف انواع الضرائب لتشجيع المستثمرين على تمويل المشروعات التى تهتم بالحفاظ على البيئةوتقلل من نسب التلوث.
وقد شهد إصدار السندات الخضراء نمو ملحوظاً فى الاونه الاخيرة ، حيث أصبحت قيمه المعاملات فيها تفوق ال 200 مليار دولار فى اقل من عشر سنوات، والى جانب السندات الخضراء ، ظهرت مؤخراً السندات الزرقاء ، ؤالتى تهتم بالمشروعات المستدامة للأنشطة البحرية ، ومصا ئد الاسماك …ولذلك أطلقوا عليها السندات الزرقاء كلون البحر .
وكانت مصر قد اتخذت خطوات جادة للإستفادة من فكرة تلك السندات ،واعلنت امس عبر وزير المالية عن عزمها طرح شرائح من السندات الخضراء ، كأحد مصادر تمويل الموازنة العامة . وحسنا فعلت وزارة المالية فى توجهها هذا حيث ان القيمة المُضافة من التعامل في هذا السوق لا تقتصر منافعه ، فقط على، إيجاد مصادر جديدة للحصول على قروض من مستثمرين جدد.
ولكن الامر يمتد الى الاستفادة من الانخفاض النسبى لاسعار فائدة أو كلفه تلك القروض عن السندات الاخرى التقليدية أو حتى من القروض الائتمانية المصرفية المباشرة من خارج سوق المال.
ان الاهتمام المصرى الحالى بالتحول الي المشروعات النظيفة وتضامنها مع محددات ومتطلبات التغير المناخى يجعلها فى في وضع يشجعها للتعامل مع أسواق راس المال فى شقه الأخضر .
ولكن الدخول لسوق السندات الأخضر ليس بتلك السهولة التي يتوقعها المتعاملين ،فالامر يتطلب من المقترضين من هذا السوق بناء قاعدة تعامل تشريعية و وهيكل إجراءات وسياسات تضمن لكل الأطراف سلامه التعاملات ، ومن اهم تلك المتطلبات :
– أن يتقدم المقترض ( مُصَدِّر السند الأخضر ) سواء أكان مؤسسة كبرى خاصة او جهة حكومية بعرض كامل لاستراتيجيته البيئية المستقبلية . وخطته التى توضح كيف سوف تستخدم اموال السند فى المساهمة فى تطوير البيئة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة .
يتطلب الامر ضرورة تواجد طرف مؤسسى ثالث ،ومحايد ومؤهل، ومستقل عن مصدر السند والمستثمر ، وتكون مهمته هذا الطرف هو تقديم شهادة تفيد إجازة المقترض وصلاحيته لمتطلبات التعامل فى البيئة الخضراء.
– يتطلب الامر أيضا توفر مراجع فني معتمد ومتخصص لقديم تقرير دورى بعد عامين من بداية المشروع يوضح فيه مدى التزام الجهة المقترضة بما وعدت به من محددات مرتبطة بشروط السند الأخضر.
– في تصورى ان هذه الأنواع من وسائل التمويل المبتكرة ، ستتصاعد أهميتها حجما وقيمه وتنوعاً ، وسوف تنافس سوق السندات التقليديه ، لانها تحقق مصلحة المستثمر ورفاهية المجتمع فى آن واحد ، واعتقد ان تلك السندات الخضراء ، سوف يكون لها نصيب الأسد فى الخطط التمويلية فى مصر ومنصات التداول العالمية .فى الحقبة القادمة.
محمد عبد العال
الخبير المصرفى / عضو مجلس إدارة بنك قناة السويس