محمد العريان يكتب: لماذا لا يتفق الفيدرالى والأسواق على وتيرة رفع الفائدة
كان لدى الأسواق أسبوعاً كاملاً لاستيعاب تقرير الوظائف الأمريكى، وكذلك العلامات على التقدم فى المحادثات التجارية بين الصين وأمريكا، ولكن رغم الأنباء الجيدة، تعتقد الأسواق والمتداولون أن الاحتياطى الفيدرالى سوف يتوقف عن رفع أسعار الفائدة العام الجارى وسوف يخفضها فى 2020 و2021، وهذا التناقض بين وجهة نظر الأسواق فى رفع الفائدة وتقرير الوظائف القوى، وكيف سيتطور بالأخير له تداعيات مهمة على تحديد استراتيجيات الاستثمار فى العام الجديد.
كما أن التناقض واضحاً بين توقعات السوق لمسار أسعار الفائدة وتوقعات الفيدرالى، كما تظهر فى المخطط النقطى الذى يصدره البنك بشكل دورى ويوضح توقعات المسئولين فيه عن وتيرة الرفع، وتقدر تنبؤات الأسواق أن تكون أسعار الفائدة فى 2020 أقل من متوسط توقعات المخطط الفيدرالى بنقطة مئوية كاملة.
وتم تحديد عدة أسباب لتفسير هذا التناقض الصارخ وذو التداعيات، ومن بينهم الستة أسباب التالية:
الأول، الصعود الهيكلى فى الاقتصاد الأمريكى:
أظهر تقرير الوظائف ارتفاعاً بنسبة %0.2 فى معدل مشاركة العمالة إلى %63.1 فى ديسمبر، يصاحبه صعوداً فى الأجور وفرص عمل وفيرة، وهو ما قد يدفع العمالة المثبطة لدخول سوق العمل مجدداً، وذلك مع الأمل بارتفاع فى الإنتاجية المتباطئة على نحو استثنائى قد يمكنان الفيدرالى من «إطلاق العنان للاقتصاد» دون إثقاله بمخاوف التضخم أو التقلبات السوقية التى مش شأنها أن تدمر النمو والسلامة الاقتصادية.
وهذا التحسن على جانب المعروض، سوف يسمح لأسعار الفائدة المنخفضة بالاستمرار مع النمو القوى، خاصة إذا تمكن الكونجرس والحكومة من الاتفاق على مبادرة بنية تحتية داعمة للنمو والإنتاجية، والتى ساندها الحزبين فى الماضى.
ثانياً، الفيدرالى يستسلم للأسواق مجدداً:
يعود التناقض بين توقعات الأسواق بتساهل الفيدرالى فى سياسته المستقبلية، وقوة الاقتصاد إلى ما اعتادت الأسواق عليه وهو مواصلة الطلب وهم كلهم ثقة بأنهم سوف يحصلون مجدداً على ما يريدون مثل السيولة الوفيرة من البنوك المركزية، ومؤيدى وجهة النظر تلك يشيرون أنه فى كل مرة يأخذ الفيدرالى زمام المبادرة تغضب الأسواق وتجبره على عكس مساره، وهو ما حدث تحت رئاسة بن برنانكى، وجانيت يلين، وتشير التغييرات مؤخراً فى التوجيهات السياسية تحت رئاسة جيروم باول إلى أن محاولات البنك المركزى المبكرة لأن يكون مختلفاً كانت قصيرة العمر، وتعد المسألة مسألة وقت قبل أن يُجبر المركزى الأوروبى على شراء الأوراق المالية مجدداً بموجب برنامج التيسير الكمى، وهو ما سيضخ سيولة فى الأسواق وترتد آثاره الإيجابية فى أمريكا.
ثالثاً، الاقتصاد فى وضع جيد ولكن السياسة قد تتدخل:
هذا هو السبب الأول الذى يلقى بالشكوك على القوة المستقبلية للاقتصاد الأمريكى، ويغذى الإغلاق الحالى للحكومة، والأطول فى تاريخ أمريكا، المخاوف بأن الكونجرس المنقسم سوف يجلب المزيد من الاستقطاب السياسى الذى يقوض الاقتصاد الصحى.
رابعاً، تتناقض البيانات القائمة على الماضى مع المؤشرات المتطلعة للمستقبل:
يجادل البعض بأن أحدث تقرير للوظائف ليس مؤشراً كافياً عما سيحدث فى المستقبل وإنما هو لمحة دقيقة عن القوة الماضية والحالية للاقتصاد.
خامساً، يزداد بقية العالم سوءاً يوماً بعد يوم:
من يتبنون وجهة النظر تلك يعترفون بالقوة المنفردة لاقتصاد الولايات المتحدة، ويقلقون من أنه قد يكون معرض للآثار المرتدة من الأوضاع فى الأماكن الأخرى، وأصبحت الأرقام الاقتصادية فى أوروبا أكثر إثارة للقلق، كما أنه لا يوجد دلائل كافية على أن المزيد من تدابير التحفيز الصينية سوف تفلح، وهو ما يعكس المخاوف بأن المسألة مسألة وقت قبل أن يجر الضعف فى هذين الاقتصادين الكبيرين الولايات المتحدة معه.
سادساً، الاقتصاد العالمى شديد الاستدانة:
ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك، ويشير إلى الزيادة المقلقة فى الديون حول العالم، خاصة فى قطاع الشركات، وكذلك مجالات المخاطر المفرطة فى الأسواق، ويخشون من أن هذه التطورات سوف سوف تغيم على آفاق الاقتصاد العالمى ما سيدفع الفيدرالى لخفض أسعار الفائدة والمركزى الأوروبى للعودة إلى التيسير الكمى لتجنب إثارة خفض غير منظم للديون عن غير قصد.
وما يثير الإحباط، إنه لا يوجد بيانات كافية تشير بدرجة عالية من الموثوقية فى أن أحد هذه التفسيرات أو مجموعة منهم هى المسيطرة، وعلاوة على ذلك، معظم نماذج المحافظ الاستثمارية، وبشكل عام النماذج التحليلية القائمة على التاريخ قد لا تكون قوية هيكلياً بما يكفى لتستفيد من كل الفرص فى الوقت الحالى.
وبدلاً من أن ندع عدم اليقين يقودنا إما إلى شلل أو تكهن مفرط بشأن تأثير واحد أو أكثر من التفسيرات، يجب أن ينتبه المستثمرون لـ3 رسائل، أولاً، نحن فى فترة غير قابلة للتوقع تتسم بعدم يقين وعدم استقرار اقتصادى وسياسى ومالى أكبر، ثانياً، المخاطر الأساسية للاقتصاد الأمريكى سياسية وخارجية ومالية أكثر منها اقتصادية، وأخيراً، تزداد مخاطر الأخطاء السياسية والتقلبات السوقية، وكل ذلك يتطلب حماية مصممة جيداً ونقدية متاحة وجاهزة للتصدى لأى تقلبات فنية حادة محتملة.
بقلم: محمد العريان