صندوق النقد العربي يرصد جهود البنك المركزي المصري في مواجهة كورونا
أكد صندوق النقد العربي أن الاقتصاد المصري نفذ خلال الفترة من 2016 إلى 2019 برنامجا اقتصاديا ناجحا بالتعاون مع صندوق النقد الدولي مدعوما باتفاق تسهيل ممتد بموارد إفتراضية بلغت 12 مليار دولار، تم فى إطار تبنى عدد من الاصلاحات الرامية الى التغلب على الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية تضمنت من بينها سياسات لتحفيز جانب العرض الكلي ، وتحرير سعر الصرف وتحقيق الانضباط المالي وضمان الاستدامة المالية.
أوضح الصندوق ، في دراسة حديثة له ، أن كل هذه الاصلاحات ساهمت فى رفع معدل النمو الاقتصادي إلى 5.6% فى نهاية البرنامج ، مقابل 4.3% لمعدل النمو المسجل فى بدايته واحتواء مستويات عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الأجمالي بحدود 8% فى عام 2019 مقابل 12.5% عام 2016، وخفض مستويات عجز الميزان الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي من 6% عام 2016 ، إلى 3% فى عام 2019.
ورصد الصندوق تبنى البنك المركزي المصري حزمة تحفيزية شملت خفض لسعر الفائدة بنحو 3 نقاط مئوية إضافة إلي تخفيض سعر الفائدة التفضيلية على القروض المقدمة للشركات الصغيرة والمتوسطة وقطاع الصناعة وقروض الإسكان لمحدودى ومتوسطى الدخل.
كما قام البنك المركزي بتخفيض الفائدة على القطاع السياحي من 10% إلي 5% ، بجانب توفير خطوط ائتمان إلى المشروعات العاملة فى قطاع الطيران بفترة سماح عاميين كما تم رفع حد المدفوعات الإلكترونية عبر الهاتف المحمول للأفراد والشركات.
وتم الإعلان على مبادرة جديدة لتخفيف عبء الديون على الأفراد المعرضين لخطر التخلف عن السداد.
واطلق البنك المركزي أيضا برنامج شراء الأسهم بقيمة 20 مليار جنيه بما يعادل 1.3 مليار دولار لدعم البورصة المصرية.
وتركز الحكومة المصرية وبعد إتمام المرحلة الأولي من برنامج الإصلاح الإقتصادى بنجاح العام الماضى على تبني رؤية للإصلاح تتمحور حول مواصلة تبنى الاصلاحات الهيكلية اللازمة وسياسات دعم رأس المال البشري بهدف وضع الاقتصاد المصري على مسارات النمو التى تتوافق مع قدراته وتساعده على تحقيق النمو الشامل والتنمية المستدامة.
وقال الصندوق إن الاقتصاد العالمي يشهد أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي في ظل انتشار جائحة فيروس كورونا المُستجد التي تسببت في ضرر بالغ لمستويات النشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء وهبطت بمستويات ثقة المستهلكين والمستثمرين ومستويات الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتجارة وتدفقات رؤوس الأموال الدولية إلى أدنى مستوياتها.
توقع الصندوق انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة تتراوح ما بين 5 إلى 8 % ، وفق تقديرات المنظمات الدولية ، وخسارة الاقتصاد العالمي لما يتراوح بين 8 إلى 12 تريليون دولار خلال عامي 2020 و2021.
أشار إلى أنه إزاء هذه الأزمة هبت المؤسسات الدولية خاصة مؤسسات دول مجموعة العشرين لتبني حزم إنقاذ واسعة النطاق للحيلولة دون وقوع الاقتصاد العالمي في دوامة الركود الاقتصادي، وتم تبني سياسات نقدية ومالية توسعية غير مسبوقة في إطار حزم تحفيزية قدرت قيمتها بنحو 14 تريليون دولار ، ساهمت في التخفيف من التبعات السلبية الناتجة عن انتشار الجائحة على كل من الأفراد والشركات وسعت إلى تمهيد الطريق للتعافي الاقتصادي.
وبحسب الصندوق ، فقد ساعد على ذلك اتجاه العديد من الدول إلى تخفيف القيود على ممارسة الأنشطة في القطاعات المختلفة وإعادة فتح اقتصاداتها بشكل تدريجي ، غير أنه لا تزال المخاوف المرتبطة بالجائحة تخيم بظلالها على الاقتصاد العالمي، وتُضعف من مسارات التعافي المرتقبة لاسيما في ظل احتمالات أن يشهد العالم موجة ثانيةً أو ثالثةً من الركود الاقتصادي.
أضاف ، أن الاقتصاد العالمي لا يزال أسيراً لعدد من مثبطات النمو ومن أهمها استمرار التوترات التجارية، والاضطرابات في سلاسل الإمداد الدولية، وتراجع مسارات التقدم المُحقق على صعيد التنمية البشرية، والانخفاض التاريخي في معدلات الإنتاجية.
أشار الصندوق إلى أن مواجهة هذه التحديات تستلزم جهودا غير مسبوقة على صعيد السياسات، وتكاتف دولي للوصول إلى تفاهمات داعمة لمسارات التعافي الاقتصادي والدفع باتجاه تسهيل عملية التحول الاقتصادي للتحرك باتجاه مسارات أكثر استدامة وشمولية للنمو الاقتصادي.
توقع أن يكون لجائحة فيروس كورونا تأثيراً سلبياً عميقاً على الاقتصادات العربية ، حيث تساهم القطاعات المتأثرة بالإغلاق الكلي أو الجزئي بنحو 70 % من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة العربية ، لافتا إلى تضرر قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، الذي يساهم بحوالي 45 % من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي وثلث العمالة الرسمية، بشدة من الأزمة الحالية.
وبحسب الصندوق ، فإن الدول العربية المصدرة للنفط ستتحمل 50 % من عــبء التخفيض العالمي في إمدادات النفط في عامي 2020 و2021 المُقــرة في إطــار اتفاق “أوبك +”، الأمر الذي سيكون له تأثير كبير على الاقتصادات العربية ، مشيرا إلى أنه رغم جهود التنويع الاقتصادي المستمرة، لا يزال قطاع النفط يسهم بنحو 27 % من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة، و42 % من إجمالي الصادرات، و60 % من الإيرادات العامة.
لفت الصندوق إلى أنه بمجرد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن فيروس كورونا المستجد جائحة عالمية، اتخذت حكومات الدول العربية إجراءات جادة متبوعة بإجراءات وقائية للحد من التأثير السلبي لانتشارها على الاقتصادات العربية، وحزم تحفيز لتنشيط الطلب الكلي بلغت قيمتها ما يقرب من 231.6 مليار دولار أمريكي حتى الآن ، بما في ذلك مجموعة متنوعة من التدابير لتخفيف الأثر الاجتماعي والاقتصادي للفيروس، ودعم الانتعاش الاقتصادي على المدى المتوسط.
أشار إلى اختلاف مستويات حزم التحفيز باختلاف المساحة المالية المتاحة لكل دولة عربية، وكذلك مستويات تغطية شبكات الأمان الاجتماعي، وقدرة البلدان على تعبئة أموال ضخمة في وقت قصير للتغلب على الصدمات الاقتصادية.
يرى الصندوق أنه في ظل هذه التطورات، تواجه الاقتصادات العربية تحديات متعددة الأبعاد ، سوف تؤدي إلى انخفاض كل من مستويات النشاط في القطاعين النفطي وغير النفطي ، متوقعا انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية بنسبة تقارب 4.0 % في عام 2020. في المقابل، من المتوقع تعافي تدريجي في عام 2021، مع تسجيل الاقتصادات العربية لنمو بحدود 2.6 %.
توقع أيضا أن يكون وقع الأزمة أشد على الاقتصادات العربية المُصدرة للنفط التي من المتوقع أن تسجل انكماشاً بحدود 4.7 % خلال عام 2020، في حين من المتوقع انكماش أقل للاقتصادات العربية الأكثر تنوعاً التي من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بها بنسبة 2.0 % العام الجاري.
على مستوى الدول العربية فرادى، توقع الصندوق انكماش كافة الاقتصادات العربية فيما عدا الاقتصاد المصري الذي من المتوقع أن يسجل نمواً بنسبة 2 % في هذا العام، مقابل نمو كان متوقعاً بنسبة 6 % قبل انتشار الجائحة.
أشار الصندوق إلى أنه بينما تتجه الدول العربية إلى فتح اقتصاداتها بشكل كامل أو جزئي، هناك تحديات كبيرة تواجه التعافي الاقتصادي، منها ضيق حيز السياسة المُتاح لدعم الانتعاش على المدى المتوسط بسبب الاختلالات الداخلية والخارجية المتزايدة.
أكد أن هناك حاجة ملحة لضمان التخصيص الفعال والسريع للموارد بين القطاعات الاقتصادية لمواكبة التحول الهيكلي الديناميكي الذي فرضه انتشار الفيروس، وهو ما يستلزم الإٍسراع بوتيرة التحول الرقمي ، وكذلك ضرورة الحفاظ على السياسة المالية التيسيرية مع ضمان القدرة على تحمل الديون.
شدد الصندوق أيضا على أهمية تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي واعتماد سياسات سوق العمل النشطة للحد من فقدان الوظائف، خاصة في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة.
أشار إلى الضيق المرتقب للأوضاع في الأسواق المالية وأثره على قدرة الاقتصادات العربية على تلبية متطلباتها التمويلية والحاجة إلى أنماط تمويل مبتكرة لأهداف التنمية المستدامة.
كما أكد على أهمية التعامل بكفاءة مع التحديات التي تؤثر على الاستقرار المالي وضمان قدرة القطاع المصرفي على الاستمرار في منح الائتمان اللازم لدعم الانتعاش وسط الانخفاض الأخير في الأرباح المصرفية.
أشار الصندوق إلى تأثر المستوى العام للأسعار في الدول العربية كمجموعة خلال عام 2020 بعدد من العوامل، حيث أثرت جائحة كورونا على مستوى المعروض من السلع بسبب اضطراب سلاسل الإمداد العالمية كنتيجة للجائحة في بعض الدول العربية، فيما أدى قيام بعض الدول العربية بزيادة معدل ضريبة القيمة المضافة، وتوسيع الوعاء الضريبي للسلع الانتقائية إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار في هذه الدول.
إضافة إلى ذلك، فقد تأثر المستوى العام للأسعار في بعض الدول العربية بالتطورات الداخلية غير المواتية وتأثيرها على أسعار السلع والخدمات. من ناحية أخرى، واكب ذلك تواصل الضغوط التضخمية الناتجة عن التراجع الكبير المُسجل في قيمة بعض العملات العربية مقابل العملات الأجنبية كانعكاس للتحديات الاقتصادية التي تواجه هذه البلدان، وهو ما نتج عنه ارتفاع كبير في أسعار السلع المستوردة وارتفاع ملموس لمعدلات التضخم في تلك الدول. وبحسب الصندوق ، فقد خفف من هذه الضغوط التضخمية، تراجع الطلب المحلي كنتيجة لانخفاض مستويات النشاط الاقتصادي في معظم الدول العربية بسبب جائحة كورونا، والتدابير التي قامت بها حكومات معظم الدول العربية في هذا الشأن للحفاظ على استقرار أسعار السلع والخدمات خلال تلك الفترة.
أشار إلى أنه كمحصلة لتلك التطورات ، فمن المتوقع ارتفاع معدل التضخم في الدول العربية إلى حوالي 8.8 % عام 2020، وانخفاضه إلى 6.3 % فى 2021.