دكتور زكريا صلاح يكتب .. قانون البنوك والحوكمة

يؤدى تطبيق نظم حوكمة جيدة إلى تعظيم أرباح البنك ، وبالتالى تعظيم قيمة حقوق المساهمين.

ويشير مفهوم حوكمة الشركات (الإدارة الرشيدة للشركات) بشكل عام إلى مجموعة القوانين والقواعد والمعايير التى تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية وبين الممولين وأصحاب المصالح من ناحية أخرى ، كما أنها تقوم على مجموعة من الأركان الأساسية ، تتمثل في المساءلة والتقييم والثواب والعقاب والشفافية والتمكين والمشاركة ومحاربة الفساد ، إضافة إلى نمط الإدارة ، الذى يساعد بدوره على تشجيع المشاركة والمبادأة.

وقدعرفت منظمة التعاون الإقتصادى والتنمية الحوكمة بأنها تحدد توزيع الحقوق والمسئوليات بين مختلف المشاركين فى الشركة، مثل مجلس الإدارة والمديرين والمساهمين وأصحاب المصالح ، كما أنها تبين القواعد والإجراءات لاتخاذ القرارات بخصوص شئون الشركة ، وهى بهذا توفر أيضاً الهيكل الذى يمكن من خلاله وضع أهداف الشركة ووسائل بلوغ تلك الأهداف ورقابة الآداء.

وعلى الرغم من أن هذا المفهوم قد ظهر فى الثمانينات وتطور خلال فترة التسعينات وما بعدها إلا أنه لم يتم الإهتمام بتطبيق مبادىء الحوكمة وإعطائها الأهمية إلا بعد انهيار بعض الشركات الأمريكية فى بداية القرن الواحد والعشرين ، مثل شركة إنرون وشركة ورلدكوم ، حيث تم النظر إلى هذه الإنهيارات على أن معظمها يرجع إلي قصور فى نظم الحوكمة الداخلية ،والذى أدى إلى فسـاد إداري ومحاسبي بصفة عامة وفساد المالي بصفة خاصة، لذا بدأ الإهتمام بمبادئ الحوكمة واتخاذ ما يلزم من إجراءات لتطبيق نظم حوكمة جيدة من شأنها المحافظة على ربحية واستمرارية المؤسسات .

ونظراً لأهمية القطاعات المصرفية فكان لزاماً على الجهات الرقابية أن يكون لها السبق فى الإستفادة من المبادئ وإصدار تعليمات للبنوك من شأنها تقوية نظم الحوكمة والرقابة الداخلية بها ، وتركز على تقوية الآليات الداخلية لتطبيق نظم الحوكمة ، الممثلة فى وجود نظم إدارة مخاطر ونظم رقابة داخلية ونظم إلتزام قوية من حيث البنية التحتية لهذه الإدارات وإمدادها بالنظم والعنصر البشرى المؤهل، وفى ظل وجود وسياسات وإجراءات معتمدة من مجلس الإدارة، إضافة إلى الإهتمام بتقوية دور مجالس الإدارات ، سواء من ناحية الإهتمام بتشكيل وتنويع خبرات مجالس إدارات البنوك أو إلزامها بتشكيل مجموعة من اللجان المنبثقة منه، مثل لجنة المراجعة ولجنة المخاطر وغيرها من اللجان.

 

وجاء قانون البنوك الجديد رقم 194 لسنة 2020 ليضم فصلاً كاملاً عن حوكمة البنوك ، يتضمن المواد من المادة 117 الى 127 ، يلزم البنوك بوضع سياسة داخلية فعالة للحوكمة والرقابة الداخلية ، وأن يكون للبنك مجلس إدارة من عدد من الأعضاء من ذوى الخبرات المتنوعة تختارهم الجمعية العامة لمدة ثلاث سنوات ،وتتم إجتماعاته بصورة دورية وأن يشكل المجلس من أعضاء تنفيذيين وأغلبية للأعضاء غير التنفيذين وتحدد الجمعية العامة البدلات والمكافآت والمزايا الأخرى للأعضاء ويحدد مجلس الإدارة ذلك للعضو المنتدب.

كما تناولت المادة 119 حق مجلس الإدارة فى تشكيل اللجان ، مثل لجان المراجعة والمخاطر والمرتبات والمكافآت والحوكمة والترشيحات وغيرها من اللجان ، وأجاز للمجلس أن يضم إلى تشكيل لجنة المراجعة عضواً خارجياً من ذوى الخبرة ، بعد الحصول على موافقة محافظ البنك المركزى ،  ويحدد مجلس الإدارة إختصاصات هذه اللجان ونظم عملها.

ونظراً لأهمية المستويات الوظيفية للمسئولين الرئيسيين فإنه يتعين الحصول على موافقة محافظ البنك المركزي على تعيينهم بعد استيفاء مجموعة من الشروط.

وأوردت المادة 121 تسعة مبادئ يجب الإلتزام بها أثناء ممارسة أعمالهم، وتضمنت مواد الحوكمة عدم جواز الجمع بين عضوية مجلس إدارة أكثر من بنك وأنه يحظر على البنك تقديم تمويل أو مبالغ تحت الحساب أو تسهيلات إئتمانية أو ضمانات لرئيس وأعضاء مجلس الإدارة ، وكذلك تضمنت أحكام خاصة بخصوص مراقبو حسابات البنك الخارجيين وآلية تعيينهم بصفتهم أحد أهم الآليات الخارجية لتطبيق نظم حوكمة جيدة فى البنوك ، وأعطت لمحافظ البنك المركزى صلاحية أن يعهد الى مراقب حسابات ثالث للقيام بمهمة محددة ، على أن يتحمل البنك المركزى أتعابه.

كما تضمنت المواد مسئولية مراقبى الحسابات عن مراجعة القوائم المالية والإلتزام بإبلاغ البنك المركزى مباشرة فى حالات الوقوف على أى معلومات تؤثر على سلامة الآداء المالى للبنك أو قيام الإدارة بأية أنشطة تؤثر على سلامة أو سمعة البنك أو وجود تعارض فى المصالح أو خلل فى نظم الرقابة الداخلية.

وتضمنت المادة 127 مسئولية مراقبا الحسابات عما يرد فى تقريرهما عن محفظة الإئتمان والمخاطر الناتجة عن الإئتمان والإستثمارات والأصول الخطرة ويتم معاقبة مراقب الحسابات حال تقصيره.

وعلى الرغم من تركيز القانون على مراقبي الحسابات كأحد الآليات الخارجية التى تدفع لوجود نظم حوكمة جيدة فإن سياسة الإفصاح التى يقوم بها البنك طبقاً لمتطلبات البنك المركزى تخلق مجالا أكبر لمجموعة من الأطراف الأخرى التى تعمل كآليات خارجية مثل أصحاب الودائع الذين يمكن أن يعاقبو البنك على سوء أدائه بنقل أموالهم الى بنوك أخرى وكذا حملة أسهم البنك عن طريق التخلص من سهم البنك وبالتالى التأثير على قيمته والمحللين الماليين الذين يقومون بتحليل آداء البنك وإعطاء توصية بالسعر المناسب لسعر سهم البنك، كذلك والأهم بالنسبة للآليات الخارجية مؤسسات التصنيف التى تقوم بتخفيض التصنيف الإئتمانى للبنك عند سوء أدائه وبالتالى مع هذا التخفيض ترتفع علاوة المخاطرة وبالتالى تكلفة الأموال.

إن تطبيق نظم حوكمة جيدة من شأنه الحفاظ على القطاع المصرفى بخلق مؤسسات قوية ذات هياكل تنظيمية قوية من الداخل ممثلة فى وظائف الرقابة وإدارة المخاطر والتحديد الواضح لمسئوليات مجالس إدارات البنوك يساهم بصورة كبيرة فى هذه النظم.

وليس من شك أن تركيز قانون البنوك الجديد على تقوية نظم الحوكمة بالبنوك يعد إضافة للحفاظ على قوة وسلامة القطاع المصرفى.

دكتور زكريا صلاح – الخبير المصرفى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى