أسواق المال العالمية تترقب اجتماع “الفيدرالي الأمريكي” اليوم
بلومبرج : المركزي الأمريكي أمام خيارين إما استمرار التعامل السيء مع التضخم أو استعادة المصداقية
تتجه أنظار أسواق المال العالمية لاجتماع لجنة السوق المفتوحة بمجلس الإحتياطي الفيدرالي”البنك المركزي الأمريكي” الذي يبدأ اليوم الثلاثاء ولمدة يومين ، وذلك للوقوف على قراره بشأن التعامل مع موجة التضخم التي تضرب الولايات المتحدة الأمريكية.
وتشير التوقعات القائمة على تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي إلى احتمالية تسريع عملية خفض مشترياته من السندات المرتبطة بجائحة كورونا.
وبحسب وكالة بلومبرج ، فإنه بعد أرقام التضخم الساخنة الصادرة في الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضية، لن يكون من الحكمة بل من المؤسف أن يقاوم البنك الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه للسياسة النقدية ما أصبح مطالبات واسعة بمضاعفة وتيرة تقليص مشترياته الشهرية من السندات، وفي الواقع، يتعين على الفيدرالي أن يذهب إلى أبعد من ذلك.
وللأسف، لم يكن مؤشر أسعار المستهلكين عن شهر نوفمبر الصادم نوعاً ما استثناءً، وإنما أعاد التأكيد على بيانات أخرى تشير إلى عملية تضخم أقوى وأكثر ديمومة مما اعتقد الفيدرالي.
وارتفع التضخم السنوي إلى 6.8% من 6.2%، وهو مستوى غير مشهود منذ 1982 في قلب فترة بول فولكر في الفيدرالي، وصعد المقياس الأساسي للتضخم – والمفترض أن يستثني المكونات الأكثر تقلباً تاريخياً رغم أن تأثيرها على الشرائح الأكثر ضعفاً من السكان تكون مضرة بشكل خاص – بنسبة 4.9% من 4.6%، وأيضاً هي الأعلى في عدة عقود.
وبعد أن فشلوا في توقع ارتفاع التضخم المشهود العام الجاري، وبعد مقاومتهم مراراً لتعديل تفكيرهم بالقدر الكافي بناء على المعلومات المحدثة والأكثر إقناعاً، يبدو أنه لا تزال هناك قلة من المدافعين عن التضخم يوم الجمعة يميلون للتمسك بفكرة المحركات “المؤقتة” للتقليل من شأن صدمة أسعار مدمرة فعلياً.
وبالتالي، يفشلون في تصور ازدياد احتمالية بروز ظاهرتين معروفتين بسماتهم غير المريحة لهؤلاء الذين إما اختبروا أو درسوا نوبات التضخم المرتفع السابقة:
الأولى، المسألة لا تتعلق بما إذا كانت المحركات الأكثر قوة للتضخم ستفقد قوتها أم لا، فهي بالتأكيد ستفعل، وإنما تتعلق بما إذا كان سيحدث هذا بعد أن تزرع بذور آلية التضخم الأوسع، وهو ما تفعله بالفعل.
الثانية، المسألة لا تتعلق بما إذا كانت آلية التضخم الأوسع تلك ستنعكس أم لا، فهي ستفعل، وإنما تتعلق بالحد من الضرر الذي سيحدث أثناء وبعد هذا الانعكاس.
وتاريخياً، وباعتباره أقوى بنك مركزي في العالم، كان الفيدرالي يعيش في قلب هاتين المسألتين المأثرتين محلياً ودولياً.
وعبر الفشل في إظهار فهم موثوق للتضخم والتصرف وفقاً لذلك في الوقت المناسب، يمكن أن يصبح الفيدرالي نفسه سبباً لتوقعات تضخمية جامحة، وهو ما يخلق آلية أكثر قوة وإشكالية بكثير من المحفز الأصلي للتضخم، والذي هو في هذه الحالة نقص مفاجئ للمعروض الكلي بسبب اضطرابات سلسلة التوريد ونقص العمالة.
وبينما يصبح التضخم أعلى وأكثر ديمومة مما كان ليكون، تزداد مخاطر، ليس فحسب التباطؤ الاقتصادي غير الضروري، وإنما الركود الصريح، وتاريخياً، كان ذلك نتاج اضطرار الفيدرالي للضغط على مكابح السياسة في محاولة متأخرة وغير منظمة لاستعادة السيطرة على مصداقيته ومهمة التضخم.
كل ذلك يلحق الضرر بسبل العيش بطريقتين غير ضروريتين، كلتاهما تضرب الفقراء بقوة بشكل خاص: من خلال تآكل القوة الشرائية خاصة لهؤلاء الأقل قدرة على الشراء، ومن خلال التسبب في البطالة.
ويتأخر الفيدرالي بالفعل بشكل خطير عن التطورات على الأرض وما تتطلبه سياسياً، وكان يتعين عليه، كما جادلت منذ شهور، التحرك منذ وقت طويل لتخفيف قدمه عن “الضغط الأقصى” على المسرّع من خلل خفض مشتريات السندات في أواخر الربيع وأوائل الصيف، وبدلا من ذلك، واصل ترديد شعار التضخم المؤقت، وفي خضم هذه العملية قوّض الخطوات التي اتخذتها حكومة بايدن لكبح التضخم.
ولحسن الحظ، لا يزال أمام البنك المركزي فرصة، وإن كانت صغيرة وتتقلص سريعاً، للتصرف بطريقة منظمة تقلل للحد الأقصى الضرر غير الضروري لسبل العيش، وهذا يتطلب الذهاب إلى أبعد من مطالب الإجماع السياسي الحالي بثلاثة طرق الأسبوع الجاري ، أن يكون صادقاً وشفافاً بشأن سبب الفشل بشدة في قرار التضخم (وهو ما وصفته منذ أشهر قليلة كواحد من أسوأ قرارات الفيدرالي بشأن التضخم على الإطلاق، وواحد يهدد بخطأ سياسي كبير) أو أن يذهب إلى أبعد من مضاعفة القدر الذي يقلصه من مشترياته الشهرية للأصول.
وبدلاً من بيان آخر يؤكد على أن تقليص المشتريات لا يشير إلى أي شيء حول رفع الفائدة، يجب أن يقر باحتمالية أنه قد يضطر إلى رفع الفائدة بمجرد إنهاء التيسير الكمي.
ولدى الفيدرالي اختيار بسيط الأسبوع الجاري، فإما يواصل تعامله السيئ بالكامل مع التضخم أو بدلاً من ذلك يبدأ استعادة مصداقيته وسيطرته على سيناريوهات التضخم والسياسة النقدية.
وإذا مال للاختيار الأول، فإن مكانته المؤسسية ستتضرر أكثر، ما سيقلل فعالية سياسته في المستقبل وستعاني سبل عيش الكثيرين بلا مبرر، وستزداد ثلاثية عدم المساواة المقلقة بالفعل في الدخل والثروة والفرصة سوءاً، وستتفاقم انقساماته الداخلية.