محمد عبد العال يكتب : حوكمة الاستيراد ورسائل الطمأنة !!

قرار البنك المركزي بقصر التعامل فى تنفيذ العمليات الاستيرادية على "الاعتمادات المستندية " ووقف "مستندات التحصيل" - مع بعض الاستثناءات - هو قرار حكيم ، ويأتي فى وقته تماماً

قرار البنك المركزي المصري بقصر التعامل فى تنفيذ العمليات الاستيرادية على “الاعتمادات المستندية ” ووقف “مستندات التحصيل” – مع بعض الاستثناءات – هو قرار حكيم ، ويأتي فى وقته تماماً ، متوافقاً مع توجه الدولة الإستراتيجي للتحول الإلكترونى ، ويتوافق مع التشريعات والقوانين المرتبطة ، كما أنه يتسق مع مميزات ومتطلبات منظومة التسجيل المسبق للشحنات المستوردة ، ويأتي في إطار توجيهات مجلس الوزراء بشأن حوكمة الاستيراد.

 ورغم مصداقية وواقعية القرار وإيجابياته ، فقد كان هناك بعض الاعتراضات تقلصت معظمها بعد أن أكد محافظ البنك المركزي أنه لا رجعة في القرار ، وأيضا بعد أن قام اتحاد بنوك مصر بشرح مفصل لمميزات القرار من جميع نواحيه.

من هنا قد يكون من المفيد أن نُبسط لغير المتخصصين طبيعة هذا القرار ، ونرسل لهم رسائل طمأنة تزيل عنهم تأثير ما تردد من مخاوف وانتقادات.  

فى معظم دول العالم يتم تنفيذ عمليات التجارة الدولية عبر آليتين ، الأولى عبر ما يسمى مستندات التحصيل ، والثانية عبر استخدام أسلوب أو آلية الاعتماد المستندى ، والأخير هو الأسلوب الأمثل المعروف ، الذي يضمن الالتزام القانوني لتنفيذ الصفقات التجارية ، تحت إشراف بنك المستورد وبنك المصدر ، وعلى العكس نجد أن فكرة مستندات التحصييل تقوم على أساس العلاقة الودية والثقة المتبادلة بين المستورد والمصدر مباشرة ، ودون تدخل البنك ، وهنا لا يزيد البنك عن كونه وسيطا.

ورغم بساطة فكرة مستندات التحصيل وانخفاض تكلفتها نسبيا إلا أن أهم ما قد يشوبها أنها لا تحقق درجة الشفافية المطلوبة ، فقد يتلاعب البعض فى تقديم فواتير تجارية أقل من قيمتها الحقيقية ، وهنا لا تكمن المشكلة في ضياع حق الدولة في الضريبة الجمركية فقط ، ولكن في عدم الشفافية في تقدير القيم الحقيقية لحجم الاستيراد والتصدير ، ومن ثم عدم دقة بعض المؤشرات الاقتصادية المرتبطة.

على الجانب الآخر تتميز آلية الاعتمادات المستندية بإمكانية البنك فاتح الاعتماد أن يوفر النقد الأجنبي اللازم لمقدم وباقى قيمة الاعتماد فور تداوله وبالأسعار الرسمية ، سواء أكانت اعتمادات إطلاع ، أو اعتمادات آجلة ، كما أن البنك يمكن أن يقوم بعمليات تغطية لمخاطر تقلبات العملة، خاصة فى الاعتمادات الآجلة ، وهو أمر غير متاح عبر آلية مستندات التحصييل ، الذى يتحمل العميل فيه مخاطر التعثر ومخاطر عدم مطابقة السلعة بعد ورودها ، بالإضافة إلى أن البنك يمكن أن يمنح العميل بناء على طلبه تسهيلات تمويلية ، سواء بالنقد الأجنبي أو بالجنيه المصري.

إن مثل تلك القرارات المرتبطة بمحددات الإصلاح الهيكلي والإداري ليست فى حاجة للاستطلاع المجتمعي فهي نظم مستقرة عالمياً وتم دراستها من قبل الجهات المعنية فى الدولةً، وتحقق مصالح كل المتعاملين فى منظومة التجارة الخارجية.

وفى ضوء تصريح محافظ البنك المركزي المصري ، وتوضيحات اتحاد بنوك مصر يمكن أن نستخلص رسائل الطمأنة التالية:

– إن القرار لا رجعة فيه ، وهو ما يدل على قوة قناعة البنك المركزي بقراراته ، أسوة بكل قراراته السابقة التي أكدت الممارسة العملية مدى نجاحه فى تحقيق أهداف برنامج الاصلاح الاقتصادي والنقدي. 

– إن البنوك التجارية على أهبة الاستعداد لاستقبال العملاء ومساعدتهم فى توفيق أوضاعهم للتحول إلى آليات الاعتمادات المستندية بدلا من آلية مستندات التحصيل.

– إن هناك إثنا عشر سلعة مختلفةً مرتبطة بالحاجات اليومية الضرورية للمواطنين تم استثناؤها من هذا القرار.

– العملاء الذين سيتقدمون للبنوك بتوفيق أوضاعهم بالتحول لآلية الاعتمادات فإنهم سيجمعون بين مميزات وفرص وتيسيرات الاعتمادات ، وأيضا مميزات مستندات التحصيل وبالتالي ، سوف يتجنبون مخاطر الأخيرة.

– سوف يتم تدبر النقد الأجنبي اللازم لتسوية اعتمادات الاستيراد ، سواء أكانت اعتمادات إطلاع أو اعتمادات استيراد ، وسوف يتم منحهم حدود تعامل جديدة تخص الاعتمادات أو توسع الحدود القائمة.

إن تدبير النقد الأجنبي الكاش أو الآجل متاح عبر شرايين ووحدات الجهاز المصرفي ، ولدى البنك المركزي المصري احتياطي نقدي يكفل تلبية احتياجات مصر الاستيرادية ، والتزاماتها الدولية لما يزيد عن ثمانية أشهر.

 – كما أن على المواطنين الاطمئنان أنه فى ظل حوكمة الاستيراد ، فإن السلع المستوردة ستكون مطروحة بأسعارها المعقولة دون مبالغة ، وأنها صحيحة الصلاحية عالية الجودة.

– مع الأخذ فى الاعتبار الارتفاعات الحالية أو المحتملة فى معدلات التضخم العالمية ، وإمكانية تأثرنا بدرجة من درجات تلك الموجة السعرية التضخمية عبر السلع التى نقوم باستيرادها ، فإنه من المستبعد أن تحدث ارتفاعات أخرى لدينا فى الأسعار من جراء القرار الجديد ، لأن البنوك التجارية قد تعهدت بأن تكون العمولات المحصلة وتكاليف الاعتمادات هى ذاتها ما كان محصلاً من خلال مستندات التحصييل.

 – إن البنك المركزي المصري مستمر وسوف يستمر في سياسته النقدية فائقة التيسير في دعم المنتجين ورجال الأعمال في كل الأنشطة الاقتصادية ، خاصة قطاع الصناعة ، من خلال حزم التيسير ومبادرات ضخ السيولة بأسعار فائدة مدعمة ، وإلى جانب كل الإجراءات الاستباقية التي يتخذها والتي تعمل كلها على تقليص حدة التضخم واستمراره فى الحدود المستهدفة.

– إن المشروعات القومية للتحول الإلكترونى وبرنامج الإصلاح الهيكلي والإداري سوف تكون موضع التنفيذ الجاد.

إنها أهداف إستراتيجية غير قابلة للتجزئة أو التأجيل ، وحوكمة كل الأنشطة بما فيها حوكمة عمليات التجارة الخارجية هى من الأولويات.

– لن يكون هناك أية ضغوط على سيولة النقد الأجنبي ولا ضغوط على الجنيه المصري، وسوف يظل مستقرا فى نطاق حدوده الحالية.

لقد واجه الجنيه المصري أقصى الظروف فى سنة صدمة كورونا وما تلاها ، ولكنه قاوم كل التحديات ، ومازال يحقق أفضل أداء وأفضل عائد حقيقى للمدخرين المصريين والمستثمرين الأجانب، مقارنة بالدول الناشئة الأخرى.

وفى النهاية أرجوا أن تسمحوا لي بالقول أن عمليات الاستيراد غير الضرورية ، من سلع كمالية وترفيهية هى ثقافة يجب وقفها ، كما اغن استيراد أية سلعة يمكن توطينها هو أمل كبير يجب أن نعمل جميعا لتحقيقه.

إن قرار البنك المركزي لتنظيم حوكمة عمليات الاستيراد هو خطوة مهمة على الطريق ،،، طريق حوكمة وترشيد الاستيراد ،،

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى