رئيس صندوق النقد العربي: 12.8 مليار دولار حجم التمويل المستدام بالمنطقة حتى مارس 2022
الحميدي: اللافت أن إصدارات أدوات التمويل السيادية العربية اقتصر حتى الآن على إصدار سيادي واحد كان لحكومة مصر عام
قال الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي إن عمليات التمويل المستدام شهدت نمواً كبيراً على المستوى العالمي، حيث ارتفعت من نحو 164 مليار دولار في عام 2017 إلى نحو 1.04 تريليون دولار في عام 2021، فيما ارتفع حجم التمويل المستدام في الدول العربية من 590 مليون دولار في عام 2017 إلى 4.9 و3.9 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021 على التوالي، ليصل إلى نحو 12.8 مليار دولار حتى شهر مارس 2022.
وأضاف الحميدي أن اللافت أن إصدارات أدوات التمويل السيادية العربية، اقتصر حتى الآن على إصدار سيادي واحد للسلطات العربية في عام 2020 كان لحكومة مصر ، مع ملاحظة تزايد الاهتمام من قِبل السلطات العربية بمواضيع التمويل المستدام، حيث أطلقت المملكة العربية السعودية مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، وأصدرت السلطات في دولة الإمارات العربية المتحدة إطار التمويل المستدام، فيما أصدرت السلطات التونسية دليل إصدار السندات الخضراء والاجتماعية، إضافةً لما سبق ذكره من إصدار السلطات المصرية لسندات خضراء سيادية في المنطقة العربية، وتبني هذه السلطات لإطار حول إجراءات إصدار أدوات التمويل المستدام.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها رئيس صندوق النقد العربي ، في افتتاح ورشة العمل الثانية رفيعة المستوى التي انعقدت حول تحسين كفاءة إدارة الدين العام في الدول العربية على مستوى المدراء وكبار المسؤولين المعنيين بقضايا الدين العام.
وأشار الحميدي إلى أنه تعززَّ في السنوات الأخيرة، الاهتمام بتطبيق المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لدعم مواجهة تداعيات تغيرات المناخ من خلال دعم المشاريع صديقة البيئة وتشجيع الاستثمار بها، حيث باتت تلعب أدوات التمويل المستدام والمسؤول (السندات والصكوك الخضراء) دوراً مهماً في توفير قنوات تمويل إضافية لتمويل المشروعات التي تراعي أبعاد بيئية واجتماعية.
وأكد أنه لا شك أن التوسع في أدوات التمويل المستدام السيادية لتمويل الاستثمارات العامة، يتطلب العمل على بناء قاعدة بيانات ومعلومات شاملة حول المشروعات البيئية والاجتماعية المؤهلة، وتطوير آليات التقييم الائتماني لمثل هذه الإصدارات، إلى جانب ضرورة تعزيز التنسيق بين كافة الأطراف المعنية بقياس وتقييم أثر الإصدارات، وصولاً إلى الاهتمام بتطوير قاعدة المستثمرين في السوق المحلي ، كما يتطلب الأمر، الاهتمام بإدماج المعايير البيئية والمجتمعية بالسياسات الاستثمارية للمستثمر المؤسسي المحلي: صناديق التقاعد والمعاشات، وصناديق الثروات السيادية، والبنوك، والمؤسسات المالية والاستثمارية.
وأشار إلى التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي نتيجة التطورات الدولية واستمرار ظروف عدم اليقين، التي لا زالت تُلقي بظلالها على توقعات النمو الاقتصادي العالمي والإقليمي وتؤثر على وتيرة التعافي الاقتصادي في عدد كبير من دول العالم، وتفرض على صناع السياسات الاقتصادية تحديات استثنائية للتغلب على التداعيات الاقتصادية والمالية التي مثلت اختباراً لمدى قدرة حكومات دول العالم على الصمود أمام تحديات لم تكن معهودة في السابق.
وأوضح الحميدي أن جائحة كورونا والتطورات الدولية الراهنة أبرزتا أهمية تمتع الاقتصادات العالمية بالمرونة الكافية لمواجهة الصدمات الاقتصادية أياً كان مصدرها، وضرورة تبني السياسات الاقتصادية المناسبة التي تستهدف توسيع حيز السياسات المتاح أمام الحكومات لمواجهة ظروف عدم اليقين والمخاطر التي تفرضها الأزمات المختلفة لحماية النمو الاقتصادي والتشغيل زاد من حدة تداعيات الجائحة التطورات الراهنة، التي أدت إلى ارتفاعات في الأسعار العالمية لاسيما فيما يتعلق بأسعار الغذاء والمواد الخام، والطاقة، والمزيد من الضغوط على سلاسل الإمداد العالمية التي لم تكن قد تعافت بعد من تداعيات جائحة كورونا ، كما أن هناك تأثيرات واسعة النطاق للجائحة متشابكة على كافة الحكومات والأسواق والأسر على مستوى العالم وتزيد من مستويات المخاطر وعدم اليقين.
وأشار إلى أن هذه التحديات التي فرضت على دول العالم أدت إلى زيادة في الإنفاق العام، خاصةً منه الإنفاق الموجه لقطاع الصحة والقطاعات الأخرى المتأثرة، إضافة إلى جانب تلبية الاحتياجات المتزايدة من موارد مالية طويلة الأجل، لمواصلة تمويل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ومشروعات البنية التحتية.
وبحسب الحميدي ، فقد شهد الدين العام ارتفاعاً نسبياً ملموساً على مستوى الدول العربية بسبب إستمرار إرتفاع مستويات العجز المالي على خلفية تداعيات الظروف الخارجية غير المواتية، وتباطؤ عملية ضبط أوضاع المالية العامة، وتقلبات النمو الاقتصادي، إضافة إلى التحديات التي شهدتها الأوضاع المالية بسبب تداعيات الجائحة والحزم التحفيزية التي تبنتها السلطات في الدول العربية، حيث تبنت الدول العربية حزما تحفيزية بأكثر من 396 مليار دولار حتى نهاية شهر مارس 2022.
كما شهد الدين العام الإجمالي العالمي إرتفاعاً ملحوظاً ليصل إلى مستويات غير مسبوقة بنهاية عام 2021، ليصل إلى 303 تريليون دولار تمثل نحو 351 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. جاء نحو نصف الارتفاع المسجل في مستويات المديونية العالمية كنتيجة لاستحقاقات التوسع في حزم التحفيز الهادفة إلى احتواء الآثار السلبية لجائحة كورونا، فيما جاءت باقي الزيادة المسجلة في المديونية نتيجة الارتفاع في ديون المؤسسات غير المالية والبنوك.
وأكد أن ارتفاع مستويات المديونية في عدد من الدول العربية يمثل تحدياً أمام صناع السياسات، حيث تحول المستويات المرتفعة من المديونية من قدرة حكومات هذه الدول على توفير موارد إضافية داعمة للنشاط الاقتصادي ومعززة للتعافي من التداعيات الناتجة عن الجائحة، خاصة في ظل ارتفاع معدلات المديونية الذي شهدته الدول العربية في أعقاب الجائحة مع ما استلزمته تلك الظروف الاستثنائية من تدخل الحكومات بموارد مالية لدعم التعافي نتج عنها ارتفاع لمعدلات الدين العام.
وأوضح أنه على مستوى الدول العربية كمجموعة، وصلت مستويات الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية المقترضة إلى نحو 115% بنهاية عام 2020، بمبلغ يصل إلى نحو 766 مليار دولار، لافتا إلى أن تأخر أفق التعافي الاقتصادي سواءً كنتيجة لامتداد أجل استمرار الجائحة، أو ظروف عدم اليقين التي تحيط بالاقتصاد العالمي يزيد من حجم تحدي ارتفاع مستويات المديونية العامة للدول العربية، حيث سيستلزم استمرار تدخل الحكومات العربية بتدابير داعمة للتعافي من شأنها التأثير على الاستدامة المالية في الأجلين المتوسط والطويل.
وتشير تقديرات صندوق النقد العربي أن الدين العام للدول العربية المقترضة انخفض نسبياً مع نهاية عام 2021 ليصل إلى نحو 756 مليار دولار ، ما يعادل نحو 108% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول، نتيجة تحسن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية خلال العام الماضي مقارنة بعام 2020.
أوضح الحميدي أن إرتفاع مستوى الدين العام يفرض تحديات أمام السلطات في الدول العربية مع تزايد المخاطر المرتبطة به نتيجة إرتفاع حجم احتياجات تمويل الموازنة ومتطلبات التمويل الخارجي، وإن تباينت مستويات هذه المخاطر بين الدول العربية ، مؤكدا أن مواجهة هذه المخاطر وتداعياتها، تتطلب إلى جانب الاستمرار في سياسات الضبط المالي والإصلاحات الداعمة للنمو، تعزيز قدرات الدول في مجال إدارة الدين العام وتعزيز الأطر الإحترازية الكلية.
وأشار إلى أن إدارة الدين العام ترتكز على وجود سياسات سليمة على صعيد الإقتصاد الكلي وفي القطاع المالي، لتعزيز استدامة مستوى الدين العام واحتواء معدل نموه، كما ينبغي أن تعزز الترتيبات التنظيمية والمؤسسية عناصر السياسة العامة لإدارة الدين العام، من حيث تيسير التنسيق بين السياسات الاقتصادية، وتطوير سوق أدوات الدين المحلي.