استطلاع : قوة الدولار تضرّ بآفاق اقتصاد أمريكا وتغيّر مسار رفع الفائدة
أغلبية الاقتصاديين يتوقعون ركوداً في الولايات المتحدة والعالم
رجَّح اقتصاديون استطلعت “بلومبرج” آراءهم أن تؤثر قوة الدولار سلباً في النظرة المستقبلية لاقتصاد الولايات المتحدة، وقد تغيّر مدى رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة.
وقال قرابة نصف الاقتصاديين إنه من المحتمل إلى حدٍّ ما أو من المرجح بدرجة كبيرة أن يرتد أثر التداعيات الدولية لقوة الدولار على الولايات المتحدة خلال الأشهُر الثمانية عشر المقبلة، ويؤثر في السياسة النقدية. رأى 28% فقط ألا يكون لقوة العملة أي تأثير.
وارتفع الدولار بنحو 13% العام الجاري مقابل عملات رئيسية أخرى وسط توترات جيوسياسية تلت الغزو الروسي لأوكرانيا ، فيما يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل كبير لمكافحة أعلى معدل تضخم خلال 40 عاماً ، وجرى المسح، الذي شمل 40 اقتصادياً، بين 21 و26 أكتوبر.
ويُتوقع أن يستمرّ المسؤولون في حملة التشديد برفعٍ آخر يبلغ 75 نقطة أساس الأربعاء ، وأظهرت آخر توقعات للمسؤولين أن أسعار الفائدة ستصل إلى 4.4% بحلول نهاية العام من المعدل المستهدف الحالي البالغ 3% إلى 3.25%، على أن ترتفع إلى 4.6% في 2023.
ويحاول رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، وزملاؤه تهدئة الاقتصاد وتخفيف ضغوط الأسعار من خلال التشديد المتعمَّد للوضع المالي في الولايات المتحدة، الذي تُعَدّ قيمة الدولار جزءاً مهمّاً منه ، عادةً ما يحدّ الدولار الأقوى من التضخم من خلال تقليل تكاليف الاستيراد وخفض الإنتاج المحلي، إذ إنه يرفع أسعار الصادرات.
وقالت دايان سوونك، كبيرة الاقتصاديين في “كيه بي إم جي” (KPMG)، في أحد ردود المسح: “الاحتياطي الفيدرالي ونظراؤه في موقف غير مريح يتطلب منهم كبح الطلب في مواجهة اقتصاد عالمي يعاني من معروض مقيد. إنهم يدركون أن لسياساتهم تأثيرات ممتدة، لكن ليس لديهم طريقة للتعامل مع هذه المخاطر صراحة نظراً إلى مهامّهم المحلية”.
“يتضخم العجز التجاري عادةً عندما ترتفع قيمة الدولار بالشكل الذي رأيناه منذ العام الماضي ، لكن ذلك التأثير غائب حتى الآن على غير المألوف، رغم أننا نشهد بالفعل ارتفاع قيمة العملة منذ 5 فصول ، وأحد التفسيرات المحتملة هي أن الولايات المتحدة زادت صادراتها من منتجات الطاقة. إنّ غياب آلية تعزيز الدولار للعجز تعني أن لارتفاع قيمته تداعيات انكماشية أقل على الاقتصاد مما كان يحدث تاريخياً”.
وانقسم الاقتصاديون في المسح حول مدى خطورة التوترات والضغوط المالية في المستقبل، وتوقعت الأغلبية تأثيراً على خطوات البنك المركزي.
وقال 44% من المشاركين في المسح إنهم يعتقدون أن الاحتياطي الفيدرالي يمكنه استكمال دورة التشديد النقدي الجريئة حتى نهايتها رغم التوترات المحتملة ، لكن 38% قالوا إن صُنّاع السياسات سيضطرون إلى خفض أسعار الفائدة أبكر من المتوقع، فيما قال 18% إن الاحتياطي الفيدرالي لن يتمكن من رفع أسعار الفائدة بالشكل المُخطَّط له.
وقالت جوليا كورونادو، مؤسِّسة ماكروبوليسي بيرسبيكتفز “قد يتمكن الاحتياطي الفيدرالي من الرفع بالقدر المخطط له، لكنه سيضطر إلى تهدئة وتيرته لتجنب عدم الاستقرار المالي”.
ويتوقع من شاركوا في الاستطلاع أن تصل أسعار الفائدة إلى ذروتها عند 5% أوائل العام المقبل، فيما تتوقع أغلبية الاقتصاديين الآن ركوداً في الولايات المتحدة والعالم.
وحذّر عدد من الاقتصاديين البارزين، من بينهم نورييل روبيني، بأن المشكلات في أسواق المال قد تؤدي إلى انسحاب الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى بنوك مركزية أخرى، من مكافحة التضخم.
وأوضح روبيني: “قد تتصدع أي مؤسسة مالية كبرى حول العالم تحت الضغط، ربما ليس في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، لكن بالتأكيد على المستوى الدولي”.
وبرز أحدث التوترات المالية في المملكة المتحدة حيث اضطر بنك إنجلترا إلى التدخل لدعم الأسواق، واستقالت ليز ترَس من رئاسة الوزراء بعد 44 يوماً من توليها المنصب، وسط رد الفعل القوي تجاه خطتها الاقتصادية القائمة على خفض الضرائب والتي هزت ثقة المستثمرين.
وقال ثُلُثا الاقتصاديين إن اضطراب السوق البريطانية نتج حصرياً أو إلى حد كبير عن سياسات المملكة المتحدة، لا عن تشديد الاحتياطي الفيدرالي والدولار الأقوى.
يُشار إلى الاحتياطي الفيدرالي أحياناً على أنه البنك المركزي للعالم، مما يعكس أهمية الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي.
ويقول ثلاثة أرباع الاقتصاديين إن ذلك وصف في محله، رغم أن 33% يقولون أيضاً إن الاحتياطي الفيدرالي لا يُقدِّر دوره بالكامل.
وفي المقابل، قال 22% إن الاحتياطي الفيدرالي مسؤول فقط تجاه الولايات المتحدة وتكليفه المحلي المتمثل في تحقيق أقصى نسبة توظيف للأيدي العاملة واستقرار الأسعار.