محمد عبد العال يكتب : عام 2023 وحالة عدم اليقين !!

حقيقة الأمر أن عام 2023 وبعد مرور شهر كامل يمكن القول أنه لن يكون العام الأفضل مقيساً بالمؤشرات الاقتصادية المتوقعة عالمياً

بعد مضي شهر كامل من شهور عام 2023 قد يكون من المنطقى أن نقترب قليلا من الأحداث والأحوال والفاعليات الراهنة والمعاصرة على الساحة والمؤثرة في مسار اقتصاديات العالم ، فربما من خلال محاولتنا تلك يمكن أن نستشعر بعض الرؤى المحتملة أو المتوقعة لأهم المؤشرات والفاعليات الاقتصادية التي ستسود الفترة المتبقية من هذا العام.

ترى كيف ستكون الصورة ؟ هل ستنتهي الحرب الروسية الأوكرانية أو على الأقل سيتوقف إطلاق النار ؟ أم سوف تستمر دون أمل فى وقفها ؟ هل سوف تستمر تداعياتها المؤلمة والسلبية على الاقتصاد العالمي في العام الحالي وربما ما يليه؟

في تصوري أنه يمكن أن نصل إلى أقرب التوقعات المحتملة إذا ما استخدمنا فكرة تطبيق التحليل الرباعي القائم على تحليل كلٍ من عناصر القوة والضعف والمخاوف والتهديدات وأخيرا الفرص المتاحة والمحتمل أن تسود الأوضاع الاقتصادية في مستقبل الشهورالباقية من العام الحالي ، وصولاً إلى استنتاجات ونتائج للأحوال الاقتصادية المتوقعة ، سواء في العالم أو في منطقتنا الإقليمية أو في مصر.

من واقع هذا التحليل الرباعي يمكن أن نستشف أهم العناصر التالية:

أولا : نقاط القوة المتوقعة:

– بداية انحسار التضخم.

– يكون الركود أقل حدة وذو مدى أقل مما كان متوقعاً.

– بداية ظهور دلالات للتعافي الاقتصادي العالمي في أواخر العام واستقرار معدلات البطالة.

– تقلص أزمات العرض وهبوط أسعار الطاقة وانخفاض تكاليف الشحن واعتدال مستوى الأسعار.

– استمرار وزيادة اعتمادات الإنفاق الحكومي على حزم الدعم الاجتماعي للسكان والقطاعات الاقتصادية المتضررة.

– انتظام خطوط الإمداد ونمو التجارة الدولية.

– تباطؤ حدة السياسات النقدية المتشددة.

ثانياً : نقاط الضعف:

– الحرب الاقتصادية والصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين في المجال التكنولوجي.

– استمرار سياسات وتحالفات الخنق والحصار الاقتصادي لروسيا من قبل أمريكا ودول الناتو.

– صدمة الركود قد تسبب تقلص الأرباح المحتملة لمعظم الأنشطة الاقتصادية العامة والخاصة.

– ضعف معدل النمو الاقتصادي وتراجع قيم الناتج المحلي الإجمالي لمعظم دول العالم.

– تراجع حاد فى أسوق الأسهم وتزايد حالة الاضطرابات فى أسوق النقد والمال نتيجة لحالة عدم اليقين العالمية.

– زيادة الطلب على الأصول والملاذات الآمنة كالذهب والعقار المتميز والدولار الأمريكي وتوقع ارتفاع أسعارها.

– زيادة معدلات المخاطر بكل أنواعها خاصة المخاطر الائتمانية ومخاطر السوق ومخاطر التشغيل.

ثالثاً : الفرص المتاحة:

– زيادة الاستثمارات في مجالات الطاقة المتجددة خاصة النيتروجين الأخضر والغاز الطبيعي المسال و زيادة الاستثمار الأجنبى المباشر في دول إفريقيا ، خاصة فى قطاعات الطاقة.

-نتيجة ضعف النمو الاقتصادي المتوقع سترتفع جاذبية السندات على حساب الأسهم ، كما ستتسع مجالات الاستثمار الأجنبي غير المباشر “الأموال الساخنة” الواردة إلى الدول الناشئة خاصة فى مصر وشمال إفريقيا.

– زيادة فرص التعاون الاقتصادي بين روسيا والصين.

– توجه بعض الدول لعقد بروتوكلات تعاون متبادل لإمكانية تسوية بعض صفقات التجارة المتبادلة بينهما بالعملات الوطنية بعيداً عن استخدام الدولار الأمريكي.

– انتعاش الاقتصاد العالمي نسبياً مع تخلي الصين على التمسك بمحددات الإغلاق التام الخاصة بجائحة كورونا.

– سياسات نقدية جديدة وتوجه البنوك المركزية إلى رفع الفائدة.

– اتساع دعم صندوق النقد الدولي في شكل حزم منوعة من القروض للدول الناشئة التي تضررت من أزمات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

رابعاً : المخاوف والتهديدات :

– إستمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

– استمرار التوتر السياسي والعسكري في مناطق متعددة فى العالم.

– ظهور حالات من الركود العميق في بعض الدول وحالات من الركود التضخمي في دول أخرى.

– انخفاض معدل النمو الاقتصادي وزيادة معدلات الدين الخارجي وتجاوزها في بعض الدول محددات وسقوف الخطر المقبولة عالميا.

– اتساع العجز في موازين مدفوعات الدول الأكثر اعتمادًا على الاستيراد.

– التقلبات الشديدة فى أسواق النقد وزيادة الضغوط على عملات الدول النامية وانخفاض القوة الشرائية لعملات معظم الدول ، خاصة الدول الناشئة وانخفاض الدخول الحقيقية للمواطنين.

– التغيرات والقيود المفاجئة التي تفرضها الحكومات والجهات الرقابية.

من التحليل الرباعي السابق يمكن استنتاج أن هناك 4 دوافع رئيسية سوف تتحكم فى مصير ومستقبل الاقتصاد العالمي والمحلى خلال الشهور القادمة المتبقية من العام الحالى وهى :

أولهما : أن الأوضاع الجيوسياسية الخاصة بالحرب الروسية الأوكرانية والتوترات السياسية والعسكرية في بعض مناطق العالم سوف تتحكم في مسار الاستقرار الاقتصادي العالمي والإقليمي والمحلي وترفع من درجة عدم اليقين في المستقبل وأيضاً فيما سوف يحدث خلال الشهور التالية.

إن حالة عدم اليقين يمكن أن ترتفع وتنخفض بمدى يبدأ من وضعية افتراض انفراج الأزمة ووقف إطلاق النار أو استمرارها على ما هى عليه تُسَيْر وفقاً لمصالح أطرافها ومن يحركونها من وراء الستار أو على النقيض تماما ، حيث يمكن أن تتطور الحرب فجأة إلى حرب عالمية ثالثة حاملة التهديد النووي.

ثانيهما : أن الدول الناشئة والتي تعتمد على الاستيراد بشكل كبير ستكون تداعيات الأزمة على اقتصادها أكبر نتيجة اتساع العجز في ميزان المدفوعات وارتفاع مستويات التضخم وزيادة أعباء الدين الخارجي والمحلي وزيادة مخاطر الاستثمار.

ثالثهما : ستستمر البنوك المركزية حتى نهاية هذا العام مركزة اهتمامها باستهداف التضخم من ناحية ومقاومة ظهور حالات الركود المتوقع من ناحية أخرى ، وهو الأمر الذي سيصعب من مهمتها ، ولكن الأغلب هو استمرار معظم البنوك المركزية في اتباع سياسة نقدية فائقة التشدد خاصة في استخدام آليات رفع الفائدة.

رابعهما : الاقتصاد المصري بالطبع ، ومثله مثل كل الدول النامية ، هو جزء من الاقتصاد العالمي يتأثر بأحداثه كما تأثر سابقاً بأزمة كورونا والأزمة الحالية المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية ، بمعنى أن تلك العوامل التي اتصف بها عام 2023 ، والسابق شرحها على المستوى الاقتصادي العالمي هي ذاتها في مجملها تمثل البنية الأساسية لما حدث في مصر منذ مطلع أزمة تلك الحرب وحتى الآن ، بداية من نقص الإمدادات وارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية والطاقة عالميًا ، وارتفاع معدلات التضخم تحت تأثير التضخم المستورد وتأثير تغير سعر الصرف ، الأمر الذي دعا البنك المركزي المصري إلى اتباع سياسة نقدية فائقة التشدد ورفع الفائدة واتباع سياسة سعر صرف تتميز بالمرونة.

الخلاصة:

حقيقة الأمر أن عام 2023 وبعد مرور شهر كامل يمكن القول أنه لن يكون العام الأفضل مقيساً بالمؤشرات الاقتصادية المتوقعة عالمياً ، بل ربما يكون الأسوأ ، وأن سلبيات المؤشرات الاقتصادية لهذا العام ستكون تاريخياً هى الأكبر مقارنة بأزمات سابقة كأزمة عام 2009 وأزمة جائحة كورونا.

إنه من الصعب توقع تولد عوامل جديدة تدعو إلى التفاؤل .. ونحن هنا في مصر يتعين علينا الاستفادة من الدرس ، وليس أمامنا إلا أن نركز في خططنا الاستراتيجية المقبلة على استهداف توطين الصناعة وانتاج مستلزمات الإنتاج وسلع التصدير ، واستخراج الخامات الطبيعية من أراضينا وتطويرها للاستخدام المحلي والتصدير ، وانتاج الطاقة البديلة والاعتماد على أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا العالمية.

إن العمل على توفير وتحقيق الاستقلال الذاتي من المنتجات الزراعية والانتاج الداجني والحيواني والسمكي وإتاحة أنواع الأعلاف اللازمة لها.

إن توفير واستمرار المبادرات والإعفاءات الضريبية ودعم التصدير وتوفير بيئة الاستثمار ومحاربة الفساد والروتين هى أمور أساسية لتحقيق الانطلاق الاقتصادي في مصر.

إن تحقيق الإكتفاء الذاتي في الحاصلات الزراعية ، عن طريق تحسين جودة التربة وتوفير المياه الصالحة ودعم المزارعين هو أمر حيوي ، ليس فقط لتحقيق الأمن الغذائي القومي ، ولكن أيضا لزيادة إجمالى الناتج المحلي وزيادة فرص العمل.

إن دراسة وقف استيراد كل السلع الكمالية وكل ما هو ممكن تصنيعه محلياً ربما يكون أمرا إيجابياً على المدى المتوسط والطويل.

إن الطريق يبدو صعبا ، ولكنه الوحيد لتحويل الشهور المتبقية من العام والأعوام القادمة لتكون وردية ومتفائلة .. يقينا نستطيع.

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى