محمد عبد العال يكتب : “هوج بول” ..واختراق العقول قبل الجيوب!

 فعلا إن اختراق العقول البشرية أسهل بكثير من اختراق الأنظمة الإلكترونية

“هوج بول ” هى منصة احتيالية عبر الإنترنت طبقت هذا الشعار فى مصر قبل أن يتم القبض على عناصر إدارتها مؤخراً ، فهي مثال واقعي لتطبيقات “الهندسة الاجتماعية” Social Engineering ، التي تستهدف اختراق العقول قبل الأجهزة والجيوب ، مستغلة ثقافة الجشع ، وفكر الطمع القائم على الكسب السريع ، بعد أن قاموا بعمليات النصب والاحتيال على الضحايا عبر “الهندسة الاجتماعية ” ، وهى الإسم الذي يطلق على نمط من الاحتيال بهدف استغلال نقاط ضعف في اذهان الضحايا للحصول على معلومات مهمة ، دون الحاجة إلى تقنيات ذات مهارة عالية ، فما يحتاجه المهندس الاجتماعي هنا (المحتال) هو فقط المهارة الاجتماعية (الذكاء الاجتماعي) ومهارات التسويق والإقناع لخداع الضحية عبر الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي.

إن المخاوف من تكرار وانتشار العديد من أشباه منصة “هوج بول” الإحتيالية ، هو أمر متوقع بل ومحتم ، خاصة إذا ما اختلط الطمع والجشع بالتقدم والتطور في تكنولوجيا الإتصالات والمعلومات ، حيث تتواجد مثل تلك المنصات في دول العالم وتتكرر أحداثها يوميا ، خاصة مع نمو سوق العملات الرقمية المشفرة ، الذي يتميز بالمخاطر والأرباح العالية وأيضا الخسائر الكبيرة ، وتنتشر فيه مجالات وفرص عمليات الإحتيال الواسعة وغسل وتهريب الأموال.

وبقدر ما يتسع هذا السوق بقدر ما يجذب أنظار شرائح متزايدة من محترفي إقتناص فرص الكسب السريع بطرق إحتيالية ، فعلى سبيل المثال وبحسب لجنة التجارة الفيدرالية الأمريكية ، فإنه من أكتوبر 2020 حتى نهاية مارس 2021 ، وصلت بلاغات الإحتيال المتعلقة بالعملات المشفرة نحو سبعة آلاف بلاغ من أشخاص أبلغوا عن خسائر إحتيالية تزيد عن 80 مليون دولار ، هذا فى أمريكا وحدها ، ويمثل هذا ضعف ذات الرقم في العام السابق ، ويتضاعف هذا الرقم إذا أخذنا في الاعتبار دول أخرى مثل كندا والبرازيل وغيرها.

 

ومن حسن الحظ أنه تم الكشف عن تلك المنصة في مصر مبكرا ، قبل أن تستفحل قوتها وتأثيرها وتحقق ما كانت تستهدفه من مراحل إحتيالية ، ولولا ذلك لكانت الخسائر المادية والاجتماعية والمعلوماتية فوق إمكانيات التقدير أو التخيل.

إن ما بذلته تلك المنصة خلال الثمانية أشهر الأولى من عملها وتواجد منصتها في مصر لم يكن الهدف الأول والأساسي لها هو جمع المال بالإحتيال فقط ، ولكن كان الهدف الرئيسى هو الإستعانة بتطبيقات “الهندسة الاجتماعية” ، حيث يستخدمون قوالب وسيناريوهات للتلاعب النفسي مع الضحايا بالخداع والطمأنة ، وتقديم أنفسهم بعروض يسيل لها لعاب الطامعين ، مثل الإعلان الحصري عن إمكانية توفير وبيع أجهزة (تعدين) للعملات المشفرة بأنواع وأسعار مختلفة ، ثم تبدأ مرحلة الترويج والتحفيز والتثبيت ببيع الدولارات بخصم ، وتقديم هبات ومكآفآت تحفيزية فعلية لعمليات وهمية، مستهدفين كسب ثقة الضحايا وجعلهم يعتقدون أنهم يتعاملون مع منصة أو كيانات موثوق بها ، بل إنهم قد يحاولون استقطاب بعض المشاهير أو رجال الأعمال ونجوم الفن والكرة لجذب الانتباه إلى منصتهم وأنشطتهم ، وصنع هالة من النجاح عبر وسائط التواصل الاجتماعي تتولد عنها موجات تتسع بالتدريج لتضم ضحايا ، بعضهم يتحول إلى مروج يتميز بدرجة عالية من الولاء للمنصة بدون أن يشعر، لتتدفق بعد ذلك وتتجمع المعلومات والأسرار والشفرات السرية ومفاتيح المحافظ ، ثم تأتي المرحلة التالية وهى الهدف الأكبر الذي يصبوا إليه معظم المنصات الإحتيالية المماثلة في كل أنحاء العالم ، وهو الوصول بالتصيد الإحتيالي لمعلومات الضحايا وذويهم وأقاربهم وأعمالهم ، خاصة تلك المعلومات شديدة السرية المتعلقة بمحافظهم الإلكترونية عبر الإنترنت ، وعلى وجه التحديد المفاتيح الخاصة للوصول إلى الأموال داخل المحفظة.

صدق أو لا تصدق ، فأنا معك أن الأمر يصعب تخيله أو تصديقة ، إن هدف منصة “هوج بول” الإحتيالية وأمثالها في مصر ، وكل العالم ، لم يكن كسب بضعة ملايين من الجنيهات ثم الإختفاء ، ولكن الهدف هو اصطياد أكبر عدد من المضاربين الباحثين عن الربح السريع عبر المنصات الإلكترونية ، وفي سياق التواصل مع الضحايا ، وبعد اتمام عمليات الجذب والترويج والتثبيت ، تبدأ عملية جمع المعلومات السرية عن العملاء ، سواء كانت مالية أو مادية أو اجتماعية أو حميمية ، وعندما يصل المحتالون إلى تلك المعلومات يبدأون فى إرسال رسائل الإختراق بما يمكنهم سرقة محتويات المحافظ المالية أو اختراق مواقع الأنشطة التي يعملون فيها ، وهو الأمر الذي قد يعرض الضحايا وأنشطتهم الاقتصادية إلى كوارث مادية واجتماعية باهظة.

 

وغنى عن البيان أنهم قد يستثمرون تلك المعلومات في إعادة بيعها إلى آخرين ، والأخطر أن يستغل بعضهم تلك المعلومات فىغ تهديد واستنزاف الضحايا.

نحن هنا في مصر دعنا نُذكر أن قانون البنك المركزي المصري رقم 194 لسنة 2020 قد حسم الأمر وحظر التعامل بأي من العملات المشفرة أو الاتجار فيها أو التربح منها أو إنشاء أو تشغيل منصات لتداولها أو تنفيذ الأنشطة المتعلقة بها ، ويعاقب من يخالف هذا بالحبس وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز عشرة ملايين جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ، ودائما ما يكرر البنك المركزي تحذيراته فى هذا الخصوص.

إن الطريق الأقرب للواقع للحماية من مآسي تلك المنصات الوهمية التي تبيع السراب وتستهدف المعلومات السرية من خلال الهندسة الاجتماعية هو طريق توعية الناس ، كبارا وشبابا ، بالأساليب التي يمكن أن يستخدمها المهندس الاجتماعى ، لاصطياد ضحاياه أن القبض على تشكيلات تلك العصابات هو أمر مشكور وحيوي ، ولكن هذا لن يكفي لوقف محاولاتهم ، فالتوعية والتدريب المستمر ربما يساعد في التخفيف من مخاطر تعرضنا لمثل محاولات منصة “هوج بول” ، وهذا لا يعني أنه ستكون هناك حصانة تامة ، بل سيكون هناك دائما طرق جديدة للإحتيال والنصب ، وستظل لعبة القط والفار Cat_Fishing قائمة عبر الزمن ليست على الأرض فقط ولكن أيضاً عبر الفضاء الإلكتروني.

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى