محمد عبد العال يكتب .. التضخم إلى أين ؟ وهل هناك حل؟

أتوقع أن تستمر السلطات النقدية المصرية في انتهاج سياسة نقدية فائقة التشدد

أظهر تقرير التضخم الصادر من البنك المركزي المصري ارتفاع معدل التضخم الأساسي إلى 40.3% خلال شهر فبراير 2023 مقارنة بـ 31.2% في يناير.

وتعود الأسباب الرئيسة العامة لارتفاع معدل التضخم إلى هذا الحد ، غير المسبوق ، لمجموعة من الأسباب يمكن إيجاز أهمها فى العوامل الخمس الرئيسية التالية :

أولها : في البداية كان هناك مزيج غير متوقع من صدمات العرض التي اقترنت بجائحة كورونا ، تضافرت معها تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية ، وكان المفروض أن يتراجع معدل التضخم تدريجياً ، إلا أن الضغوط التضخمية استمرت في الصعود المتتالي، ليس فقط لأن أدوات السياسة النقدية المتشددة غالباً ما تكون فى حاجة إلى وقت طويل نسبياً لتظهر آثارها في ترويض التضخم ، ولكن أيضا كان هناك تأثير للعوامل الأربعة الأخرى التي سنسردها تالياً.

ثانيها : مجموعات حزم الدعم السلعي والاجتماعي الحكومي ، وحزم المبادرات المختلفة ، بالإضافة إلى الشهادات المصرفية بأسعار فائدة مميزة ،لتعويض القطاع العائلي عن معدلات التضخم بالإضافة إلى الإنفاق الحكومي المتزايد، كل تلك الحزم لعبت دورا مهما في التخفيف من أعباء ارتفاعات الأسعار على كاهل المنتجين والمستهلكين على حد سواء ، ولكنها على الجانب الآخر رفعت نسبياً من حجم كمية وسائل الدفع ، وساهمت في تشكيل بعض الضغوط التضخمية ، كما يجب ألا ننسى حجم الطلب على السلع والخدمات الناتج من عرض نقود مُقَنعة وغير ظاهرة ولكنها لعبت دوراً ملحوظاً في تنامي الطلب الاستهلاكي مثل أرصدة بطاقات شحن الهواتف والمحافظ الإلكترونية المُغذاة بقروض تجزئة من الشركات المالية غير المصرفية.

ثالثها : وهو العامل الأهم والأقوى تأثيرا حالياً ، ونقصد به تأثير سعر الصرف ، فهناك علاقة طردية بين انخفاض سعر صرف الجنيه المصري ، وارتفاع معدل التضخم ، لأن معظم سلعنا واحتياجاتنا الرئيسية هي مستوردة أو نستورد خاماتها ، وقد التزمت مصر مع صندوق النقد الدولي بتبني سياسة مرنة لسعر الصرف ، فى إطار برنامج قروض ودعم ممتد ، وهو ما يعنى أن سعر صرف الجنيه أمام العملات الغاخرى يتحدد لحظيا في سوق النقد ، وفقاً لظروف العرض والطلب ، وبالتالي يكون هذا السبب هو العامل الرئيسي في ارتفاع معدل التضخم.

 

رابعهاً : من المعروف أنه نتيجة لتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية ارتفعت معدلات التضخم في دول الغرب ، وكان من جراء ذلك أن انتهجت البنوك المركزية العالمية ، خاصة الفيدرالي الأمريكي سياسة نقدية فائقة التشدد برفع أسعار الفائدة ، وبالطبع يضغط هذا التوجه بشكل غير مباشر على الجنيه المصرىغ ،نتيجة اتساع فارق الفائدة في غير صالح الجنيه ، ويضعف من جاذبيته للاستثمار غير المباشر ، كما كان من أبرز التداعيات السلبية لارتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكى ضعف فرص وزارة المالية فى الولوج إلى سوق السندات الأوروبية لطرح سندات دولارية لسد فجوات التمويل ، وهو ما اضطرها إلى اللجوء إلى أسواق آسيا ولكن بتكلفة مرتفعة ، وبالطبع زاد هذا العامل من الضغوط على سعر صرف الجنيه.

خامسها : هناك العديد من العوامل الأخرى المشتقة والجانبية ، ولكنها في النهاية ساعدت على تحقيق معدل التضخم المرتفع إلى هذا الحد ، ومن أهم تلك العوامل تنوع وشدة حجم المضاربات التي يزاولها المضاربون على تقلبات الجنيه ، والتأثير النفسي الضار على حال الأسواق ، كما يمكن إضافة تأثير السوق الموازي ( الأسود )على سعر الصرف وبالتالي المساهمة فى الضغط على الجنيه المصرىث ، ومن ثم ارتفاع معدل التضخم.

أين الحل وما هو ؟

لا توجد حلول سحرية لعلاج التضخم ،ولم توجد حتى الآن بلد واحد ، أو بنك مركزي واحد ، نجح في فك شفرة التضخم بدون أن يكون هناك ثمن .. ولكن ما الثمن؟

الثمن قد يكون قبول الاستمرار في تحمل مستويات معينة جديدة من التضخم لفترة زمنية قد تطول .. أو قبول مواجهة بعض مظاهر الركود ..، وهو ما يعني انخفاض معدل النمو الاقتصادي عما هو مقدر ، ، أو قد يكون كل تلك التضحيات وغيرها .

في تقديري أنه في وضعنا نحن فى مصر لن يكون أمامنا إلا التركيز على كيفية تخفيف الضغوط التضخمية من خلال علاج المسببات الخمس سالفة الذكر.

والآن وفي ضوء تصاعد معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، أتوقع أن تستمر السلطات النقدية المصرية في انتهاج سياسة نقدية فائقة التشدد ، لا يهم هل تكون متدرجة أم بوتيرة سريعة ، فهذا مرجعه إلى البنك المركزى المصري ولجنة السياسات المنبثقة عن مجلسه الموقر ، وهى اللجنة المنوط بها أن تراقب عن كثب تطورات الأحداث عالمياً ومحليا ولديها من العلم والخبرة والتقنيات المتقدمة التي تجعلها دائما ما تأخذ أفضل القرارات الصائبة ، ولكن دور المحللين والباحثين هو إلقاء الضوء على خلفيات الأحداث وعرض نماذج السيناريوهات المتوقعة للمساعدة في نشر الوعي بتلك الجوانب المهمة في حياتنا العصرية للمهتمين بالسياسة النقدية من خارج الجهاز المصرفي .

في ضوء تحليلنا السابق ،وفي ضوء ما هو متوقع من استمرار بعض الضغوط على الجنيه المصرى ، الأمر الذي يعني توقع استمرار ارتفاع معدل التضخم في شهر مارس الحالي ، خاصة تحت تأثير ارتفاع أسعار الوقود والضغوط التضخمية المصاحبة لشهر رمضان ، وأيضا تأثير حزمة رفع الأجور.

وفي نطاق التوقع الشخصى فيمكن أن نشاهد رفعا جديداً للفائدة بنحو 200 إلى 300 نقطة أساس ، كما قد يكون هناك مجال فى خطوة تالية أو مصاحبة ، لرفع نسبة الاحتياطي الإلزامي إلى 20% للجنيه المصري .

وإذا حدث ذلك فسيعطي ذلك الضوء الأخضر لبعض البنوك لتصميم وطرح شهادة ادخارية جديدة بأسعار فائدة مميزة جداً لامتصاص فائض سيولة القطاع العائلي الجديدة أو المتجددة من الشهادات المستحقة.

ومن جانبي أقترح إمكانية دراسة خفض نسبة الحد الأقصى للإقراض إلى الدخل “DBR” لتكون مثلا 40% بدلا من 50% وذلك لخفض حجم الطلب الاستهلاكي .

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى