محمد عبد العال يكتب عن .. صعوبة توقع اتجاهات أسعار الفائدة!!

في تصوري أن آلية رفع سعر الفائدة لن تساعد في الأجل القصير والمتوسط في معالجة الوضع القائم المرتبط بالتضخم المصري

ونحن نعيش في أوضاع اقتصادية قاسية ونعاني من معدل تضخم غير مسبوق يكون رد فعل السلطة النقدية في معظم دول العالم هو استخدام أهم وأشهر أداة لمقاومة التضخم ، وهي رفع الفائدة.

هذا ما تم عبر تعاقب الأزمات في الثلاث سنوات الأخيرة ، بما فيها أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، كما تم استخدام تلك الأداة في مصر مع بداية تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي وتداعيات جائحة كورونا ، وأيضاً لاحتواء التضخم الذي ساد مرحلة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ، حيث تم رفع سعر الفائدة بمجموع 10% على مدار عام ، خلال الخمسة اجتماعات الأخيرة ، وأولها في 21 مارس 2022 وآخرها في 30 مارس 2023 ، حين رُفعت الفائدة بـ 200 نقطة أساس إلى 18.25% للإيداع و19.25% للإقراض.

وسوف تجتمع لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري يوم الخميس المقبل 18 مايو الجاري ، واللجنة الموقرة هى صاحبة قرارها أياً كان ، رفعاً أو تثبيتاً ، وبالطبع يكون قرارها دائماً متوافقاً مع مجريات ومتطلبات تحقيق مستهدفاتها في استقرار الأسعار ومواجهة التضخم.

وحقيقة الأمر أننا في هذا المقال لا نستهدف التركيز على توقع معين لتوجهات اللجنة بالنسبة لتغيرات أسعار الفائدة ، بقدر ما نود التركيز على إلقاء الضوء على الظروف الاقتصادية المعاصرة التي نعايشها ، ومدى تطلبها الاستمرار في استخدام سياسة رفع سعر الفائدة ، بغرض احتواء التضخم ، أم أن تلك الظروف قد تقتضي في المرحلة القادمة التوجه إلى آليات أخرى جنبا إلى جنب مع آلية سعر الفائدة؟.

في تصوري أن آلية رفع سعر الفائدة لن تساعد في الأجل القصير والمتوسط في معالجة الوضع القائم المرتبط بالتضخم المصري ، الذي يبدو الآن وكأنه محصن ضد آلية رفع الفائدة ، وأصبح يتأثر أكثر بعوامل أخرى كمتغيرات سعر الصرف أولا ، وارتفاع كل ماهو مستورد ثانياً ، وارتفاع بعض أسعار السلع المحلية المحددة أسعارها إداريا ، ثالثاً ، ولأننا نستورد أكبر بكثير مما نصدر فإن رفع الفائدة يزيد من تفاقم عجز الميزان التجاري ، وبالطبع زيادة كلفة تمويل عجز الموازنة .. وكلها مؤشرات تضغط على سعر الصرف ، ولأن هناك علاقة عكسية بين التضخم وسعر صرف العملة المحلية فإن أي تخفيض للعملة يعني ارتفاع معدل التضخم ، مع افتراض ثبات العوامل الأخرى.

ولذلك فإن فاعلية آلية سعر الفائدة في احتواء التضخم محلياً ، وبعد فترة طويلة من استخدامها ، قد لا تكون هي الوسيلة المثلى حالياً.

والقول بأن معظم دول العالم مازالت مستمرة في انتهاج رفع الفائدة ، وهيوتحاول احتواء التضخم والهبوط به إلى مستهدفاته الموضوعة ، هو أمر مردود عليه ، لأن استخدام تلك الآلية يقتضي أن يتوفر لها بيئة تحتية مالية ونقدية مواتية ، ولكن ظروفنا ومشاكلنا الاقتصادية فى مصر مختلفة عن ظروف ومشاكل دول أخرى مستمرة في محاولاتها مواجهة التضخم برفع الفائدة.

نحن نختلف نسبيا عن تلك الدول في مدى قدرة آلية رفع الفائدة على التأثير في وقت مناسب في حجم وتغيرات الائتمان ، كما أن هيكل الاقتصاد يتعين أن يكون مرنا بالقدر الكافي ، بما يسمح للتغيرات في أسعار الفائدة بأحداث التغير المستهدف في الأسعار والأجور والدخل والإنتاج والتوظيف ، كما تتطلب أن تكون موارد السيولة لدى البنوك التجارية في حدود تقتضي الحاجة للقيام بعمليات الخصم بحجم مناسب ، ومن ثم يكون التأثير ملموساً في حالات رفع الفائدة.

من هنا نتفق مع بعض المتابعين من الخبراء المصرفيين في أن سياسة رفع الفائدة بأكثر مما هي عليه الآن وفي المرجلة الحالية قد لا يجدي نفعاً على مستوى الاقتصاد الكلي في شقيه النقدي والمالي.

ولذلك يمكن توقع أن تتجه السلطة النقدية في المرحلة القادمة إلى استخدام آليات أخرى ، جنبا إلى جنب مع آلية سعر الفائدة ، حيث يمكن التحكم في حجم كمية وسائل الدفع ، وحجم الائتمان المصرفي ، على سبيل المثال وليس الحصر ، عن طريق رفع الاحتياطي الإلزامي بدرجات مختلفة ، كما يمكن التحكم في عرض النقد المتداول بالتحكم في سياسة الإصدار ، حيث أن نسبة كبيرة من عرض النقود قد تكون من العملة المتداولة ، جنباً إلى جنب مع نقود الودائع.

ومن المهم الإشارة أن علاج العجز القائم في صافي الموجودات الأجنبية هو أمر مهم ، لأن هذا العجز يمثل زيادة غير مباشرة في السيولة المحلية “عرض النقود” ، كما أنه قد يكون هناك توجه إلى تشديد شروط منح الائتمان المصرفي ، خاصة في أنشطة التمويل الاستهلاكي.

إن تَوقع قرار اللجنة هذه المرة ، وككل مرة ، في غاية الصعوبة ، وإن كنت أراهيميل أكثر من وجهة نظري نحو الهدنة المرحلية أو بعبارة اخري يمكن أن يكون “التثبيت” هو الاتجاه والتوقع الأكثر احتمالاً، والأمر متروك بالطبع لإرادة لجنة السياسة النقدية الموقرة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن البنك المركزي كان قد كشف أمس، الأربعاء ، عن تسجيل الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من جانبه ، معدلاً شهرياً بلغ 1.7% في أبريل 2023 مقابل 2.4% في أبريل 2022 ، ومعدلاً شهرياً بلغ 2.5% في مارس 2023.

وسجل المعدل السنوي للتضخم الأساسي 38.6% في أبريل 2023 مقابل 39.5% في مارس 2023.

 

محمد عبد العال

خبير مصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى