محمد عبد العال يكتب ..الدين الخارجى يتصاعد ولكنه فى الحدود الآمنة

ارتفع الدين الخارجى لمصر بنهاية الربع الثانى من السنة المالية الحالية ، الى نحو 125.3 مليار دولار مقابل 123.5 مليار دولار.

وارتفاع هذا الرقم أو انخفاضه هو أمر طبيعى، حيث يقوم البنك المركزى بالإفصاح عنه بشفافية بشكل دورى.

ويكون الأمر طبيعيا حينما يستفسر الناس عن السبب أو حتى يُبدون بعض مظاهر القلق .. ولكن الأمر الغريب أنه مع كل ارتفاع فى حجم الدين الخارجي ، تعلو بعض أصوات التشكيك والنقد غير الموضوعي ، والتحفظ غير المبرر ، الذى قد يثير عند غير المتخصصين هواجس سلبية.

وحقيقة الأمر أنه يتعين قبل أى تحفظ أن نتدارس طبيعة تفاصيل هذا الدين ، وهل هو مستهلك فى أغراض إستهلاكية ؟ أم إستثمارية ، هل يستخدم فى تدوير وسداد أقساط وفوائد قروض سابقة ؟ أم يستخدم فى تمويل أصول استراتيجية لازمة لعمليهدة التنمية الإقتصادية المستدامة ؟ ، والأهم من كل ذلك هو أن يكون هناك معرفة وإلمام ‏بنسبة إجمالى الدين الخارجي إلى إجمالى الناتج المحلي القومي ، لأن ذلك هو المؤشر الأوحد للتدليل أو الإسترشاد عن تضخم الدين الخارجي للدولة من عدمه.

وبالطبع يتعين أيضاً الإلمام باستراجية الدولة فى الإشراف والرقابة على تطور الدين وآليات سداده وخفض معدل نموه.

فى تصورى أنه لا يوجد دولة فى العالم ، متقدمة كانت أو ناشئة ، ليس لديها دين خارجي ، وقد لا تصدق أن هناك دول غنية جداً ولكنها في ذات الوقت من أكبر الدول المدينة لدول أخرى.

ولأن مصر مثلها مثل كل الدول الناشئة تستهدف خطة تنمية إقتصادية واجتماعية طموحة ، فهى إذن تحتاج الى دفعة مالية قوية لتمويلها ، إنها يتعين أن تسابق الزمن لكى تلاحق التقدم العالمى فى كل المجالات خاصة فى تكنولوجيا الإتصالات والتحول الى مجتمع رقمي ، إنها تريد أن تسد الفجوة الإقتصادية القائمة بأقصى سرعة ممكنة وبأقل كلفة.

والإعتماد على مواردنا المحلية، لا يمكننا من الإنطلاق الإقتصادى بالنوعية والسرعة المطلوبة، والإعتماد على استراتيجية النمو الهادئ على فترات زمنية طويلة أثبت فشله، خاصة فى حالات الدول الناشئة مثل حالتنا ، حيث يهدد معدل نمو السكان الكبير أى زيادة فى معدلات النمو الإقتصادي تقل عن 6.5%.

الحل هو أن نتوجه للإقتراض للمساعدة فى تنفيذ خطط التنمية الطموحة ، وهنا يثور السؤال ولكن هل يمكن لأية دولة مثل مصر أن تقترض من الخارج بسهولة وبدون حدود ؟ والإجابة بالطبع لا ،، فلا يوجد مؤسسات دولية أو أسواق عالمية اغو حكومات تسمح بمنح أية دولة قروضاً دون رابط ودون ضمانات ، خاصة حينما تكون تلك القروض بأسعار فائدة بسيطة ، لا تهدف للربح ، ولا تُحمل بأية ضغوط أو توجهات سياسية.

وهنا يأتى دور مؤسسات التقيم والتصنيف الإئتمانى العالمية التى تحكم على الجدارة الإئتمانيه لكل بلد وتعطى من المؤشرات والدلالات على جدارة تلك الدولة فى أن تقترض وإلى أى حد ، بل وتتعمق الى معرفة استخدامات تلك القروض ، وتتأكد مسبقاً من أن تلك القروض ستتوجه الى تمويل مشروعات إستثمارية قادرة على سداد أقساط تلك القروض وفوائدها فى مواعيدها المحددة.

وهذا ما تم فى مصر ، ومع بداية التنفيذ الجاد لبرنامج الإصلاح الإقتصادى ، بالتعاون مع صندوق النقد الدولى ، استطاعت مصر بكفاءة استغلال ديونها الخارجية فى تمويل مشروعات قومية ضخمة هى على مرأى ومسمع العالم كله ، مشروعات لبناء بنية أساسية جديدة فى كل القطاعات ، بعض تلك المشروعات يشعر بها الموطن بسرعة والبعض الآخر سوف يجنى ثمارها فى المستقبل ، كل مشروع تم الإستثمار فيه لو تأجل تنفيذه عاما واحدا ارتفعت تكلفة تنفيذه للضعف ، وكم تُساوى سعر خصم الزمن فى عصرنا الحالى؟

هناك إذن زيادة وإن كانت هامشية فى قيمة الدين الخارجي لمصر فى نهاية الربع الثاني للسنة المالية الحالية ، ولكن هذا الدين يعكس العلامات المضيئة التالية:

• إن هذا الدين استخدم بالكامل فى تمويل مشروعات استثمارية تفوق قيمتها المستقبلية أضعاف قيمة الدين الحالية ، وجزئيا لتمويل عجز الموازنة ومرحلياً فى مواجهة تداعيات صدمة كورونا العالمية أسوة بكل دول العالم ، بل وكل الدول الناشئة التى تخطت حجم ديونها فقط الأربعة ترليونات دولار.

• إن هذا الدين وعند هذا الحجم هو فى الحدود الآمنة وفقاً للمقاييس الدولية ، حيث لم تزد نسبة الدين الخارجى إلى إجمالى الناتج المحلى عن الثلث او فى حدود 33%.

• إن الزيادات الأخيرة فى هذا الدين كانت لأسباب استراتيجية ، منها التوجه الجديد لاستبدال الدين الداخلى بالخارج لخفض أعباء الدين على الموازنة العامة ، خاصة بعد انخفاض أسعار الفائدة للدولار ، والرغبة فى تطوير هيكل آجال القروض لمدد أطول.

• إن إدارة هذا الدين يخضع حاليا لاستراتيجية قومية ، تستهدف عناصرها تقليصا على المدى المتوسط والطويل وخفض معدل نموه.

• إن تلك الإستراتيجية لا تعتمد فقط على خفض حجم أو قيمة الدين فقط ، وإنما الأهم هو التركيز على خفض نسبة الدين الخارجي إلى إجمالى الناتج القومي ، وهذا يعنى أن كل زيادة فى إنتاج القطاعات الإقتصادية المختلفة ، والتى ساهمت فى تمويلها تلك القروض ، تؤدى حتما إلى زيادة مضاعفة فى الناتج المحلى الإجمالي ، ومع ثبات حجم الدين وانخفاضه مع الزمن ينخفض مؤشر الدين إلى الناتج الإجمالي ، إلى أن يصل إلى أدنى نسبة.

محمد عبد العال – الخبير المصرفي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى