محمد عبد العال يكتب : عند تحديد أسعار الفائدة : عين على النمو وعين على التضخم
تجتمع لجنة السياسة النقدية الموقرة المنبثقة من مجلس ادارة البنك المركزى المصرى ، غدا الخميس للبت فى مسار سعر الفائدة ، وفى تصورى فإن المسألة ليست فى توقعاتنا للتغيرات المحتملة ، هبوطاً أو ثباتاً أو حتى صعوداً ، ولكن الأهم هو محاولة استقراء أو الإقتراب من الأسس التى يمكن ان تَبنى عليها لجنة السياسة النقدية قرارها فى ظل الظروف الصعبة التى فرضتها صدمة كورونا .
فمن الواضح الآن ومع قليل من التأمل أن السياسة النقدية فيما يتعلق بإدارة سعر الفائدة تتسم بالمرونة والتوازن ، آخذة فى اعتبارها متطلبات النمو الإقتصادى ، فى ظل ظروف إستثنائية صاحبت تداعيات الأزمة العالمية ، وأهمية أن تكون هناك مجموعة كبيرة من الحزم التمويلية المتنوعة تم حقنها فى شرايين مختلف أنشطة الإقتصاد القومى بأسعار فائدة مميزة وتقل حتى عن الأسعار الإسترشادية للإقراض المطبقة حالياً ، والغرض هو دعم وتحفيز الإقتصاد ومساعدته لمواجهة أزمة كورونا ، وتوفير الدفعات المالية القوية اللازمة لعودة عجلة الإقتصاد القومى للدوران وزيادة التشغيل وفرص العمل.
ومن ناحية أخرى نجد أن السياسة النقدية تعطى الضوء الأخضر لبعض البنوك المملوكة للدولة باستحداث أوعية إدخارية قصيرة الأجل لمدة ( عام واحد ) ، وبأسعار عائد مميز يفوق الأسعار الإسترشادية الرسمية ، والغرض هو تشجيع القطاع العائلى للإدخار من أجل الإستثمار ، وتعويضه عن النقص فى دخله النقدى أو الحقيقى الذى نتج من تداعيات الأزمة ، ومن ثم المحافظة على معدلات الإستهلاك وإبقاء معدلات الطلب على السلع والخدمات فى مستوياتها الطبيعية التى تضمن استمرار المنتجين للعمل وزيادة الإنتاج ، فتتقلص معدلات البطالة ويتحسن معدل النمو الإقتصادى ، ونهرب من السقوط فى منطقة ركود قد يصعب الخروج منها.
فى ضوء ذلك تُرى ماذا سيكون توقعنا لقرار لجنة السياسة النقدية غدا ؟
أعتقد أن الإتجاه الأغلب هو أن تأخذ اللجنة قرارها بالتثبيت للأسباب والعوامل التالية :
أولا – مازال معدل التضخم فى حدود أحادية ، ومن المتوقع أن يظل فى مستوى ما هو مستهدف من البنك المركزى أى تسعة فى المائة ناقص أو زائد ثلاثة فى المائة ، كما لا توجد فى الأفق أية إحتمالات قوية لتولد ثمة ضغوط تضخمية من جراء رفع الكهرباء أو أية تداعيات بالنسبة لسعر الصرف .
ثانيا – أتفق مع معظم المراقبين أن المستوى الحالي لأسعار الفائدة يحقق أفضل توازن بين الأهداف المتشابكة ، خاصة بعد الخفض الإستثنائي السابق فى اجتماع 16 مارس الماضى ، والذى تم فيه خفض سعر الفائدة بمعدل كبير دفعة واحدة ب 300 نقطة أساس لمواجه صدمة كوفيد 19.
ثالثاً – هناك ظاهرة تستحق الرعاية وهى بداية عودة المستثمرين فى أوراق الدين الحكومية فى الدول الناشئة من دول الملاذ الآمن الى الدول التى هاجرو منها مع بداية أزمة كورونا ، ومع استمرار الفائدة المنخفضة فى أمريكا وأوربا بدأ مع مطلع هذا الشهر تدفق المليارات مرة أخرى من الإستثمار غير المباشر الى الدول الناشئة ومنها مصر ، ومن ثم فإن الإحتفاظ بالمستوى الحالى لأسعار الفائدة سيكون من أهم العوامل الجاذبة لتلك الشريحة من المستثمرين .
رابعاً – رغم تقلص المصادر التقليدية من النقد الأجنبى الوارد لمصر بعد تداعيات أزمة كورونا العالمية ، والذى من حسن الحظ قابله إنخفاض فى مصادر الطلب التقليدية أيضاً ، وتم تعويض العجز النسبى باستخدام جزئى ومؤقت من الإحتياطى النقدى من ناحية ، وبالإستعانة ببعض آليات التمويل السريع من صندوق النقد الدولى من ناحية أخرى ، وهو الأمر الذى وفر للجنيه أرضية صلبة لمقاومة أية ضغوط كان من المحتمل أن تترك آثارا سلبية ملحوظة على سعر الصرف ، وفى تصورى فإن ترك مستويات أسعار الفائدة على ما هى عليه سيكون من شأنه دعم مسيرة الجنيه المصرى فى المرحلة القادمة .
خامساً – إن تبنى الحكومة سيناريو عودة النشاط الإقتصادى تدريجيا لكامل الأنشطة الإقتصادية خاصة قطاع السياحة ،قد يجعل لجنة السياسة النقدية الموقرة فى وضع التريث بالنسبة لتغيرات سعر الفائدة ، وتفضيل الإحتفاظ بالمستوى الحالى دون تغيير آخذين فى الإعتبار أهمية أن يكون هناك مرحلة أو فترة انتقال تغطى حالة عدم اليقين التى نعيشها والعالم .
سادسا – هناك عامل قد يكون غير منظور ولكنه مهم من الناحية الإجتماعية أو النفسية للمواطنين وهو يحكم الميل للإدخار ، ويؤثر فى قرارات العملاء فى تحريك وتحويل مدخراتهم من بنك الى بنك أو حتى الى عملات أجنبية أخرى ، حيث تلاحظ أن المواطن الآن يبحث عن الأوعية الإدخارية التى توفر له عائدا فوريا متكررا مرتفعا ، مثل وديعة الـ 15 % والتى جمعت أكثر من مائتي مليار جنيه فى أقل من ثلاث شهور ،ولذلك فإن خفض معدل الفائدة قد يتعارض مع ما يتطلع إليه مدخرو القطاع العائلى فى المرحلة الحالية .
والخلاصة هو أن الغالب الأعم أن لجنة السياسة النقدية الموقرة ، قد ترى فى ثبات أسعار الفائدة هو أفضل الإختيارات .
محمد عبد العال – خبير مصرفي