محمد البيه يكتب عن.. الإقتصاد المصري ما بين أزمة كورونا وما بعدها

بداية، يجب أن نشيرالى أن الانفاق الحكومي قبل أزمة الفيروس المستجد كورونا كان متجها بشكل رئيسي نحو الاستثمارفي المشروعات القومية التي من شأنها تحسين البنية التحتية للدولة لدعم الاستثمار في مختلف المجالات، و هو الأمر الذي أدى الى تحسن أداء الاقتصادي المصري و تحقيقه معدلات نمو مرتفعة كسرت حاجز ال 5% خلال العام المالي الأخير.

على الجانب الاخر، فقد فرضت أزمة كورونا الحاجة لتغليب الإنفاق الحكومى على قطاعات الصحة والتعليم والاستثمار التكنولوجى وعمل نظام رعاية صحية شامل، وتحويل جزء من الإنفاق على المشروعات القومية حاليا إلى هذه القطاعات الحيوية.

تداعيات فيروس كورونا على أداء الاقتصاد المصري:

طالت تداعيات الأزمة الاقتصاد المصري مثل غيره من الاقتصادات التي طالتها سواء كانت متقدمة أم ناشئة، حيث بدأت بعض المؤشرات في الظهور بالفعل، كما بدأت الحكومة في مراجعة توقعاتها وخططها للاقتصاد خلال العامين الحالي والمقبل.

انخفض احتياطي مصر من النقد الأجنبي خلال شهري مارس وأبريل الماضيين بنحو 8.5 مليار دولار ليصل إلى 37 مليار دولار، وذلك بعد خروج نحو 15 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، بحسب تقديرات وكالة موديز للتصنيف الائتماني.

كما راجعت الحكومة توقعاتها لعدد من المؤشرات منها معدل نمو الاقتصاد الذي تتوقع أن يصل إلى 4.2% خلال العام المالي الحالي بدلا من 5.6%، وإلى 3.5% خلال العام المالي المقبل بدلا من نحو 6%.

و غيرت الحكومة توقعاتها للعجز الكلي للموازنة إلى 7.9% بدلا من 7.2% للعام المالي الحالي، وأبقت على معدل 6.3% للعام المقبل على أن يزيد إلى 7.7% لو استمرت أزمة كورونا إلى ديسمبر المقبل.

وتوقعت الحكومة أن ترتفع نسبة دين أجهزة الموازنة العامة للدولة إلى 84.5% من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2021 بدلا من 82.8% في تقديرات الموازنة، إذا استمرت الكورونا حتى ديسمبر.

وبالنسبة للتأثير على مصادر النقد الأجنبي، ستكون السياحة على رأس مصادر النقد الأجنبي المتأثرة، خاصة وأنها حققت في عام 2019 أعلى ايرادات لها خلال العشرة سنوات الأخيرة (12.57 مليار دولار – مايمثل 4.46% من الناتج المحلي). قد تستغرق السياحة فترة طويلة نسبيا لاستعادة نشاطها بالكامل حتى بعد انتهاء أزمة كورونا.

و فيما يخص تحويلات العاملين بالخارج، تعد تلك التحويلات أحد أهم موارد العملة الأجنبية حيث بلغت 25.15 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو 2019 محققة 8.9% من إجمالي الناتج المحلي. تتركز تلك التحويلات في الغالب من المصريين العاملين في الدول العربية ودول الخليج التي تعتمد أغلب مواردها على الصادرات النفطية مما يشكل جرس انذار في ظل تدني أسعار البترول العالمية ولاسيما إذا قامت تلك الدول باتباع سياسات إنكماشية مما سيضطرها إلى عدم التوسع بالمشروعات و من ثم تقليل العمالة وهو ما قد يؤثر سلبا على تحويلات المصريين بالخارج في الفترة المقبلة.

و بالنسبة لإيرادات قناة السويس، سجلت ايرادات بلغت 5.8 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في يونيو 2019 محققة 2% من اجمالي الناتج المحلي و ذلك وفقا لبيانات هيئة قناة السويس و البنك المركزي المصري.

ان تبعات تراجع الانتاج من الصين والإضرار بسلاسل التوريد العالمية وانعكاساته على حركة التجارة العالمية وهبوط أسعار النفط العالمية إلى مستويات متدنية سيؤثر سلبا علي حركة الملاحة بقناة السويس.

من المتوقع أيضا حدوث تراجع في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (من مستوى 6.5 مليار دولار إلى 4.5 مليار دولار) خاصة أن جزءا كبيرا من هذه التدفقات يتعلق بنشاط البترول والغاز، ومن الطبيعي أنها ستقل مع المستويات الحالية لأسعار البترول بعد هبوطها الحاد مؤخرا.

الإقتصاد المصري ما بعد كورونا:

قالت وكالة موديز في تقرير صدر في مايو 2020، إن الصدمة التي سببتها تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا بالنسبة للاقتصاد المصري تتمثل بشكل رئيسي في الضغط على متطلبات التمويل الخارجي، وانخفاض عائدات السياحة والتحويلات، وتباطؤ النمو.

وتوقعت موديز حدوث ارتفاع مؤقت في عجز الحساب الجاري إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الجاري، وأن تصل الفجوة التمويلية إلى بين 12 و13 مليار دولار.

و يجب أن يركز دور الدولة على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، لاسيما أن هناك فرصا كبيرة أمام مصر لجذب استثمارات خارجية حيث متوقع أن تخرج الكثير من الصناعات المتوطنة في الصين خارجها، وهى فرصة لجذب شريحة من هذه الصناعات الوسيطة التي تخدم سلاسل التوريد العالمية، وذلك من خلال المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.

لقد دخلت مصر هذه الأزمة وهى في وضع اقتصادى أفضل نتيجة إجراءات الإصلاح الاقتصادى التي نفذتها، وهو ما جعل التوقعات العالمية لنمو الاقتصاد المصرى بالإيجاب وهى الاستثناء بين دول المنطقة، وهذا لا ينفى أن تكون تأثيرات الأزمة كبيرة على الاقتصاد المصرى.

و على الرغم من تلك التأثيرات المتوقعة، فيجب الاشادة بإجراءات الحكومة المصرية بحظر التجول لعدد من الساعات دون وقف النشاط والإنتاج، وهو اتجاه جيد رغم تأثيراته الاقتصادية، إلا أنه من الخطأ الإسراع بالتغاضى عن الإجراءات الاحترازية حتى لا تحدث تبعات صحية مؤثرة.

و يأتي دور البنك المركزي المصري مثمنا حيث أطلق حزمة جديدة من مبادرات تنشيط الاقتصاد المصرى سواء من خلال مد فترة تأجيل سداد أقساط القروض 6 أشهر، أو مد فترة التسهيلات الضريبية، لإتاحة الفرصة للشركات لاستخدام السيولة المالية للاحتفاظ بالعمالة.

و على صعيد اخر، فان ما يحدث في أسواق النفط عالميا يعكس ما هو متوقع حدوثه في الكثير من القطاعات الأخرى خلال الفترة القادمة، حيث تشهد السلع تراجعات كبيرة في الأسواق العالمية بسبب تراجع الطلب، وسيكون هناك الكثير من المعروض خلال الفترة القادمة.

إن مواجهة مصر للتبعات المختلفة لأزمة “كورونا” تستلزم إعطاء الأولوية للاستثمار فى 3 قطاعات أساسية أهمها الاستثمار فى البشر، ومجالات الصحة والبنية التحتية والتكنولوجيا. و من هنا، نعلم أن الوضع فى مصر أفضل من دول عديدة تعانى من أزمات و أوضاع اقتصادية سيئة قد تخلق وضعا صعبا خصوصا فيما يتعلق بأسعار الغذاء و الوضع الصحي.

و فيما يتعلق بالفرص التي أوجدتها هذه الأزمة، نجد ان قطاع التكنولوجيا من القطاعات الواعدة التى تمتلك فرصا كبيرة فى مشروعات الحكومة بالتعاون مع البنك المركزى خاصة فيما يتعلق بالشمول المالى والربط الإلكترونى وتسوية المدفوعات ونظم التمويل.

و لا شك أنه بفضل المتابعة المستمرة لتنفيذ المشروعات ذات الأولوية لخطط الدولة اختصرت مشروعات واعدة فى مصر فى زمن قياسى يتطلب إنجازها سنوات منها مشروعات فى مجالات الصحة والتنمية العمرانية والبنية التحتية ومشروع نظام التأمين الصحى الشامل.

ولا يتنافى ما سبق على وجوب عمل الحكومة على زيادة القدرات الإنتاجية والصناعية المختلفة واستغلال الطاقات المعطلة وإعادة توجيها للتصنيع و التنوع فى الاستثمارات فى مجالات الرعاية الصحية والبنية التحتية والتكنولوجية ومجالات الذكاء الاصطناعى.

و من الواجب أيضاً وضع أولويات جديدة فى الإنفاق العام بمجالات الصحة والضمان الاجتماعى ودعم مشاريع الشباب، و لا ننسى أن نشيد بإسراع الدولة فى دعم العمالة غير المنتظمة وضرورة استكمالها بنظام التأمين الصحى الشامل.

و في هذا المجال، يجب أن يتم العمل على توطين الصناعات المهمة والاستراتيجية لمصر حيث أنه من الأمور الإيجابية لأزمة “كورونا”، واستغلال مزايا المناطق الاقتصادية كالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس فى جذب المستثمرين وإقامة صناعات ذات أولوية للدولة وأهمها المشروعات التكنولوجية لرفع قدرات التصنيع وزيادة الصادرات خاصة في ظل ارتباط مصر الوثيق وعلاقاتها المتميزة مع أفريقيا والصين.

و بالرغم من التأثير المتوقع والكبير لقطاع السياحة والسفر فى مصر والعالم إلى ما بعد أزمة “كورونا” إلا أن السياحة الداخلية قد تمثل فرصة جيدة فى ظل الأزمة. و قد أدى البنك المركزي المصري دورا مهما فى تخفيف الأعباء على القطاع السياحى من خلال تأجيل أقساط الديون و طرح مبادرات جريئة لمساندة ذلك القطاع الهام و الحيوي للاقتصاد المصري. و يأتي هذا الدعم للحفاظ على الإنجازات التى حققها القطاع فى التعافى وعودة النشاط وارتفاع الإنفاق السياحى والحفاظ على العمالة.

إن أهم الدروس المستفادة من الأزمة يتمثل في أنه لا يمكن بناء اقتصاد دولة على مقومات تخضع للتقلبات العالمية، وأثبتت الأزمة أن الصناعة والزراعة ركيزة أساسية وهامة في بناء الاقتصاد خاصة وأنها الأقل تأثرا ومازالت تعمل رغم الأزمة، وهو ما يتطلب أن توليها الدولة اهتماما وتعمل على حل مشاكلها لبناء اقتصاد صلب قادر على مواجهة التقلبات العالمية.

محمد البيه – الخبير المصرفي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى