محمد عبد العال يكتب .. شهادة الـ 15% الخاسرون والرابحون
لم يسق تاريخيًا أن جذب وعاء إدخاري هذا القدر من مدخرات العملاء ، 383 مليار جنيه عبر ما يقترب من 2 مليون عميل فى ستة أشهر فى بنكين فقط ، معظمهم قد جاء عبر الدفع الإكترونى ، وهو الأمر الذى أكد أهمية هذا المنتج فى إثبات إمكانية إنجاح خطة التحول الإكترونى وتطبيقاته ، وبالطبع ساعد من ناحية أخرى فى دعم إستراتيجية الشمول المالى .
هذا الوعاء العبقري فى تأثيره الإقتصادى غير المنظور خفف من السيولة الفائضة وغير المستثمرة فى يد المواطنين ، وهو فى هذا الجانب قلل نسبياً من الطلب على الأصول الدولارية ،بل أيضاً شجع وحفز بعض ممن يحتفظون بأرصدة دولارية للتحول الى جنيه مصرى كسبًا لفارق الفائدة ، ومن هذا وذاك فإن هذا المنتج منع أي إحتمال لتولد مظاهر للدولرة ، وساعد على استقرار سعر الصرف وأيضاً ساعد على مقاومة التضخم .
كان من أهم إيجابيات هذة الشهادة أنها أتاحت أعلى عائد شهرى للقطاع العائلى ، وهو الأمر الذى عوض ارتفاعات بعض الأسعار إبان جائحة كورونا وساعد على تنشيط الطلب المشتق على السلع والخدمات.
وكما هو معروف فبدون استهلاك لن يكون هناك إنتاج ، أى أن هذا المنتج ساعد على عدم ظهور بعض حالات أو مظاهر الركود التضخمي التى كانت محتملة عقب جائحة كوفيد19.
أعتقد أن البنك الأهلى وبنك مصر سوف يتحملان تكلف باهظة لارتفاع عائد تلك الشهادة ، ولكن ما سيعوضهم سيكون فيما وفره لهم هذا الوعاء من سيولة متوسطة الأجل ، يمكن إستخدامها مرحلياً فى تمويل المشروعات القومية وتمويل القروض المشتركة الضخمة ، كما أن استقطابهم لهذا العدد الكبير من العملاء فى فترة وجيزة سيحقق لهم قاعدة عملاء مستقرة وجيدة ، يمكن أن تكون مجالا كبيرا لتسويق منتجات التجزئة وتمويل الشركات مستقبلاً .
كان ذلك أهم مميزات وفوائد تلك الشهادة العبقرية ، ولكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تستمر؟ وماهو تأثير الإلغاء على المدخرين الأفراد ؟ وعلى البنوك المصدرة لها ؟ وأيضا البنوك الأخرى فى القطاع المصرفى ؟ وبعبارة اشمل من هم الفائزون والخاسرون من الغاء تلك الشهادة التاريخية ؟
حقيقة الامر تم إلغاء هذة الشهادة لأنها أتمت تحقيق كل الأهداف الرئيسة الثلاث التى كانت قد حُددت لها وهي :
- المساعدة على مقاومة أية مظاهر للركود التضخمى ، تحت تأثير تداعيات كورونا
- دعم القطاع العائلى وتعويضه نسبياً عن الإنخفاض النسبى فى دخله نتيجة الإغلاق الكلى أو الجزئى لبعض الأنشطة .
- تنشيط الإستهلاك المشتق على السلع والخدمات.
أما التأثير على البنك الأهلى المصري وبنك مصر ، فيكفيهم تحمل فارق الفائدة خلال مدة ارتباطهم على تلك الشهادات ، ليعود مستوى أسعار ودائعهم الى الحدود الطبيعية وهو الأمر الذ سيحسن من متوسط تكلفة أموالهم ويتحسن هامش الفوائد لديهم ، وفى المقابل تزداد قدرتهم على منح تسهيلات إئتمانية بأسعار معقولة .
أما التأثير على وحدات البنوك الأخرى فإلغاء الشهادة سيعيد منحنى العائد الى وضعه الطبيعى حيث تكون الشهادات طويلة الأجل (أكثر من 3 أعوام ) تستحق أسعارا أعلى من تلك قصيرة الأجل ( ذات المدد حتى سنة ) ، ويتوازن العرض والطلب على مدد الأوعية الإدخارية فى ظل منافسة عادلة ، ويكون الفيصل فى جذب العميل السعر العادل المتوافق مع الأسعار الإسترشادية من لجنة السياسة النقدية ، وأيضاً درجة تطور المنتج ومستوى الخدمة المقدمة له ، وهو الأمر الذى يعطى مرونة أكبر لوحدات القطاع المصرفى للتوسع فى تمويل الأنشطة الإقتصادية وبأسعار مناسبة وهو ما يحسن من أرباحهم .
أما التأثير على العملاء وهذا أمر مهم ، فكل العملاء يعلمون أن تلك الشهادة هى شهادة مؤقتة لن يتم تحديدها بعد عام ، وكان البعض يفضل ربط ودائعه بأسعار أقل ولكن لمدة ثلاث سنوات ، ونتوقع أن يعود العملاء الذين هاجروا من بنوكهم الأصلية ، إلى التعامل مودعين ومقرضين مع بنوكهم التى كان يتعاملون معها ، وسوف تتوازن التدفقات النقدية وهيكل الودائع من حيث المدد والأسعار والسيولة بشكل أفضل وهو ما يقلل من مخاطر تقلبات العائد على البنوك ، ولا ننسى أن عودة أسعار الفائدة إلى طبيعتها فى الجهاز المصرفى سوف يؤدى الى تخفيض أسعار الإقراض فى كل منتجات التجزئة المصرفية ، وهو ما يعود بالمنفعة على العملاء.
على الجانب الآخر سوف يعود المنتجون الذين تركوا أعمالهم الإنتاجية فى مختلف الأنشطة طمعا فى الربح السهل المضمون فى شهادة ذات عائد مرتفع ، معظم هؤلاء وغيرهم سوف تتغير صفتهم من ( عاطلين بالودائع ) الى مستثمرين فى الإستثمار المباشر وأسواق رأس المال فتنشط كل من البورصة والقطاع العقارى .
بقى أن نقول إن تلك الشهادة ، بحلوها ومرها بمميزاتها وسلبياتها ،فى النهاية حققت أهدافها ، وفى فترة وجودها وبعد إلغائها الكل رابح.
محمد عبد العال – الخبير المصرفي