دكتور زكريا صلاح يكتب.. قانون البنوك وتدابير التدخل المبكر
تعد وظيفة الإشراف والرقابة على البنوك أحد أهم وظائف البنوك المركزية، إضافة الى وضع وتنفيذ السياسة النقدية والإشراف على نظم الدفع.
ويمثل أمن وسلامة البنوك الشغل الشاغل للجهات الرقابية مثل البنوك المركزية، لذلك تعمل هذه الجهات بصورة مستمرة على تطوير نظم إدارة المخاطر النظامية بالقطاع المصرفى ونظم الإنذار المبكر، نظراً لأن إنهيار بنك يمكن أن يتسبب فى إنهيار العديد من البنوك، كنتيجة لارتباط البنوك وتداخلها بعضها ببعض، من خلال العمليات والتعاملات المختلفة فيما بينها، وما يمكن أن ينتج عن هذه الإنهيارات من ضياع لأموال المودعين والمساهمين والمقرضين وغيرهم من الدائنين، هذا بالإضافة الى ما قد يحدث من إضطراب وعدم إستقرار فى القطاع المصرفى ككل.
لذلك تطور البنوك المركزية أدوات وآليات تخدم عملية الرقابة المستمرة والمتابعة اللصيقة على البنوك، لتقييم الآداء وتحديد هيكل المخاطر الذى يتعرض له البنك، وبالتالى تمكنها من التدخل بصورة مبكرة.
لقد قامت الجهات الرقابية بتطوير نظم ومؤشرات للتنبؤ بالأداء وتحديد حجم المخاطر تستخدم كإنذار مبكر مثل نظام الـ CAMELS الذى يستخدم فى تصنيف البنوك حسب مجموعة من المؤشرات التى تغطي ملاءة رأس المال ، جودة الأصول ، الإدارة ، الربحية ، والسيولة ، وتحليل الحساسية لمخاطر السوق، والذى تم تطويره واستخدامه فى الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 1980 بواسطة الجهات الرقابية فيها مثل البنك الإحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي)، بهدف توحيد عملية تصنيف البنوك، ثم تم تطوير نظم أخرى مشابهة مثل نظام PATROL بواسطة بنك إيطاليا عام 1993، ونظام ORAP بواسطة الجهة الرقابية فى فرنسا عام 1997، ونظام RATE بواسطة هيئة الرقابة المالية فى إنجلترا فى عام 1998.
وتعتمد هذه النظم على مجموعة من المؤشرات في رصد والتنبؤ بسوء الأداء والأزمات مثل نسبة الديون غير المنتظمة وانخفاض معيار كفاية رأس المال وانخفاض مؤشرات السيولة والربحية أو زيادة العجز في المخصصات.
ثم تطورت نظم إدارة المخاطر وقامت البنوك المركزية بإستخدام تحليل السيناريوهات وإختبارات الضغوط (التحمل)، للوقوف على قدرة البنك على تحمل الصدمات وقدرة رؤوس أموالها على إستيعاب الخسائر حال حدوث الأزمات.
وللحفاظ على البنوك وأموال المودعين واستقرار القطاع المصرفى، فقد تضمن القانون 194 لسنة 2020 فصلاً خاصا تحت مسمى “تدابير التدخل المبكر” والذى تضمن 3 مواد وهى المواد 146 و 147 و148 حيث تضمنت المادة 146 أن هذه التدابير يتم إتخاذها حال قيام البنك بممارسات مصرفية غير سليمة أو عدم التوازن الكبير بين الأصول والإلتزامات أو ارتفاع تكلفة السيولة والأموال وانخفاض جودة الأصول ومستوى الربحية وتراجع الوضع المالى للبنك ووجود قصور فى نظم الحوكمة أو إدارة المخاطر أو الرقابة الداخلية أو السياسات المحاسبية المطبقة أو عدم إلتزام البنك بالإجراءات المتخذة ضده.
حيث يتم من خلال التفتيش الميدانى والتقارير الدورية التى تتلقاها إدارة الرقابة المكتبية بالبنك المركزي، والتى تتضمن تقارير يومية عن البنك، تحديد هذه الحالات بصورة مبكرة، ويتم إجراء تقييم لأداء البنك وحجم المخاطر التى يتعرض لها، إضافة الى إجراء مجموعة من تحليل السيناريوهات بافتراض مجموعة من الفروض وإجراء إختبارات الضغوط، وذلك للتدخل بصورة مبكرة قبل وصول البنك الى حالة الإنهيار، وذلك عن طريق ما تضمنته المادة 147 من إلزام مجلس إدارة البنك المركزى للبنك المعنى باتخاذ واحد أو أكثر من الإجراءات المنصوص عليها فى هذه المادة وتطبيقها على البنك إذا اكتشفت به إحدى أو عدد من الحالات السابق ذكرها فى المادة 146.
ومن هذه الإجراءات على سبيل المثال تعزيز السياسات التى بها قصور والتقيد بالمتطلبات الرقابية الإضافية التى يفرضها البنك المركزى وتوفير تمويل إضافي أو تكوين مخصصات أو تخفيض مكافأت والمزايا المالية للمسئولين الرئيسيين وكبار العاملين بالبنك وحظر توزيع أرباح وتقديم خطة تصحيحية معتمدة محددة المدة أو الإلتزام بالحصول على موافقة البنك المركزي المصري قبل تنفيذ المعاملات أو إغلاق بعض الفروع أو تقديم خطة لإعادة الهيكلة أو تنحية واحد أو أكثر من المسئولين أو حل مجلس إدارة البنك أو الإدماج فى بنك آخر أو تعليق حقوق تصويت المساهمين الرئيسيين ومطالبتهم ببيع حصصهم خلال مدة محددة.
وقد تضمنت المادة 148 من القانون إلتزام البنك بتقديم تقارير الى البنك المركزي بشأن الموقف التنفيذى للإجراءات المتخذة بغرض المتابعة والتوجيه.
إن تدابير التدخل المبكر وبناء أنظمة الإنذار المبكر من الأمور بالغة الأهمية، حيث تساعد فى الإكتشاف المبكر لاحتمالات التعثر أو انهيار البنوك، وتمكن من إلزام البنوك بالإجراءات التصحيحية، وبالتالى تجنب الأزمات المصرفية وما يتبعها من تكاليف لإعادة هيكلة القطاعات المصرفية.
كما أن توقيت التدخل واختيار توليفة الإجراءات التصحيحية من الأمور الهامة التى تحد من المخاطر النظامية وتحافظ على إستقرار القطاع المصرفي وبالتالى الإستقرار المالى للدولة.
دكتور زكريا صلاح
الخبير المصرفى