محمد العريان يكتب: ما المكون المفقود لاستمرار صعود الأسواق؟
لا عجب فى أن احتمالية حدوث تحرك كبير فى الأسواق فى بقية 2019 أصبحت أكثر شيوعاً لدى المستثمرين، فبعد كل شىء لاتزال التقلبات المزعجة فى الريع الرابع من 2018 فى ذاكرة المستثمرين، بينما قدمت الأربعة شهور الأولى من العام الجارى مكاسب وفيرة مع انخفاض التقلبات، ورغم أن هناك أسباباً مفهومة لهذا التفاؤل بشأن المستقبل، هناك عاملان من عدم اليقين قد يتوهان فى سيناريو التحرك الكبير، وهما لا يتعلقان بالتجارة والمشكلات السياسية التى استمرت لوقت طويل لدرجة أن المستثمرين يشعرون بالراحة لتهميشهم، وشهدت الشهور الأربعة الأولى من 2019 عودة للخليط المحبب كثيراً لدى المستثمرين لثلاثة عوامل وهى العائدات المرتفعة، والتقلبات المنخفضة، والارتباطات المحبذة بين الأصول.
ومنذ عام حتى الآن، بلغ إجمالى عائد مؤشر «ستاندرد آند بورز» %16 حتى 18 أبريل، بينما هبطت قراءة مؤشر التقلبات «فيكس» من 22 فى بداية العام إلى 12 فقط، كما كان أداء أسواق الأسهم خارج الولايات المتحدة جيداً، وارتفع مؤشر «مورجان ستانلى كابيتال انترناشونال إم إس سى آى» للعالم بنسبة %16 العام الجارى، وصعد «يوروستوكس 50» بنسبة %7 و«ستاندرد آند بورز/أسكس 200» الذى يغطى الأسهم الآسيوية، بنسبة %11، وعلاوة على ذلك، وعلى عكس ما توحى به نماذج ارتباط الأصول التقليدية فى الفترة الحالية التى تشجع على «تحمل المخاطر» حقق المستثمرون أموالاً من الأصول الآمنة، وإن كان عائداً هزيلاً عند حوالى %1 لمؤشر «بلومبرج باركليز» لأوراق الخزانة.
ويعد المحرك الأساسى لهذا التناغم المحبب للمؤشرات هو التحول التاريخى فى موقف الفيدرالى لنهج أكثر طمأنة، ما أدى إلى تيسير الأوضاع المالية بشدة وفتح الباب أمام البنوك المركزية الأخرى لتخفيف السياسات.
ومع استعادة المستثمرين الثقة فى رغبة وقدرة البنوك المركزية على قمع التقلبات المالية، وجدت الأسواق أنه من السهل تهميش مجموعة كبيرة من المخاوف، بدءا من التوترات التجارية والسياسية إلى البيانات الضعيفة بشكل متواصل من أوروبا، وبالفعل، احتفلت الأسواق بإشارة الفيدرالى إلى أنه لن يكون هناك أى رفع للفائدة العام الجاري، وبأن تقليص الميزانية سيتوقف فى سبتمبر، كما استعدوا لاحتمالية قوية لخفض الفائدة بنهاية العام.
وتستمد حجة التحرك الكبير قوتها أساساً من تأثير دعم السيولة من قبل البنوك المركزية ومن سياق خفض الاستثمار فى الأسهم واستمرار انتشار منتجات المؤشرات.
وفى ظل ثقة المستثمرين من أن البنوك المركزية تساندهم، تعطيهم التقلبات المنخفضة ثقة أكبر فى الدخول مجددا بثقل أكبر فى أماكن فى السوق ظلوا بعيدين عنها بعد صدمة الأزمة المالية العالمية (والإحساس العام بعدم الأمان الاقتصادى الذى استمر بعدها)، وهذه الثقة سوف يعززها الأداء القوى لأسعار الأصول، بجانب استخدام منتجات المؤشرات التى تعمم موجة الصعود، وسوف تغذى عناوين الأخبار بشأن ارتفاع أسعار أسهم الطروحات الأولية للجمهور مثل «زوم تكنولوجيز» و«بينتريست» فى 18 أبريل، عامل الشعور بالرضا، يخلق آلية ذاتية التغذية يمكن أن تأخذ المؤشرات فوق مستوياتها القياسية.
واعتادت الأسواق على التعامل مع أكثر المخاطر احتمالية فى هذا السيناريو السعيد على أنها مؤقتة فى تأثيرها، كما أن تأثيرها على الأسعار ينعكس بالكامل، وهذا المخاطر تتضمن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك بين أمريكا وأوروبا، وعدم اليقين السياسى المصاحب للخروج البريطاني، وغيرها من الميوعة السياسية الأوروبية وتقرير المستشار روبرت مولر، والنزاعات الجيوسياسية مثل تلك بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة وبين إيران والسعودية.
ومع ذلك، هذه ليست أكثر المخاطر أهمية عندما يتعلق الأمر بسيناريو التحرك الكبير، وإنما تلك المتعلقة بقدرة الصعود المدفوع فى الغالب من السيولة على التغلب على عاملين: التحقق البطيء وغير اليقين للأسس الاقتصادية العالمية الأقوى المطلوبة لاستدامة الصعود فى الأسعار، والتوازن السياسى الصعب الذى يواجهه الفيدرالى فى سياق التباين فى الاقتصاد العالمى الذى تواصل فيه الولايات المتحدة التفوق فى الأداء بين الدول المتقدمة، ويزداد الفارق فى العائد الكبير بالفعل بين الولايات المتحدة وألمانيا، كما يزداد الدولار قوة.
وأكدت تفاصيل الاجتماع الماضى للجنة السوق المفتوح فى الفيدرالى أن التحول فى سياسة الفيدرالى تعود إلى المخاوف من أن آفاق النمو والتضخم فى أمريكا قد تتأثر من الآثار المرتدة من الأوضاع العالمية الأضعف والاسواق المالية المتقلبة وكذلك التوترات التجارية، ولكن مع التفاؤل بشأن الاتفاق الصينى الأمريكى خلال الأسابيع القليلة المقبلة، واستقرار الاقتصاد الصينى، هدأت هذه المخاوف بحدة، ما يفتح الباب لاحتمالية وقوع تقلبات يثيرها الفيدرالى مع محاولة المسئولين فيه تشديد السياسة النقدية بنهاية العام بقدر أكبر مما تتوقعه واستعدت له الأسواق.
وكل ذلك يوضح أنه بدون أن تقود الأسس الاقتصادية السوق بدلاً من السيولة، وبدون فيدرالى أكثر دهاء فى التعامل مع الأسواق، قد تصبح احتمالات سيناريو التحرك الكبيرة أكثر قتامة خلال العام.
بقلم: محمد العريان
كبير المستشارين الاقتصاديين لمجموعة «اليانز»