محمد عبد العال يكتب .. هل مصر في سباق دولي للفوز بتحقيق أعلى عائد حقيقي؟
حذرت مؤسسة ستاندرد آند بورز من أن مصر يجب أن تجد طريقة لخفض تكلفة ديونها ، حتى يمكن لها أن تواجه إحتمالات الزيادات فى أسعار الفائدة العالمية.
وجهة نظر “ستاندرد آندبورز ” قد تكون حكيمه في نصحها ، وهو ما يدعونا إلى الإهتمام بتحليل ودراسة نصائحها ، ومحاولة تحديد وقياس أبعادها واحتمالات حدوثها ، ومن ثم التحكم في مخاطرها.
من ناحية أخرى ، قد تكون أيضاً وجهة نظر مؤسسة التقيم الإئتمانى الدولية الأشهر صحيحة نسبياً من الناحية النظرية ، لأنه بالطبع إذا ارتفعت أسعار الفائدة ، وانخفض معدل التضخم فى نفس الوقت ، يرتفع صافي العائد الحقيقي الذي يتحصل عليه المستثمر.
فإذا افترضنا أن البنوك المركزية فى الخارج وخاصة البنك المركزي الأمريكي بدأت مستقبلاً في التنازل المتدرج عن سياستها التسييرية الحالية ، وعادت إلى التوجه لرفع أسعار الفائدة فإن ذلك قد يفتح الطريق لهجرة الأموال الساخنة والمستثمرة فى أوراق الدين العام المصرية وهجرتها إلى حيث أسعار الفائدة الأعلى.
و مع احترامنا لوجهة نظر “استاندرد آند بورز ” فإن الأمور على أرض الواقع تحكمها وتتفاعل معها عوامل مختلفة ، قد تقلل نسبياً من حجم تلك المخاوف.
ومن أهم تلك العوامل :
• هيكل الإقتصاد المصري ، يختلف عن اقتصادات الدول الأخرى المتقدمة منها أو النامية ، ومن ثم تختلف السياسات النقدية لدينا ولديهم ، وليس من الحتمي أن تكون هناك انعكاسات مؤثرة على سياسة مصر النقدية من جراء التغيرات فى السياسات النقدية الأخرى.
• هناك دول أسعار العائد الحقيقى فيها تُقارب أو تعلو المعدل السائد حالياً فى مصر ، ولكن معدل المخاطر المختلفة، خاصة المخاطر الجيوسياسية أو المالية المصاحبة للأزمات الإقتصادية الدولية فى بعض تلك الدول عميقة وكبيرة.
• ليس العائد الحقيقى هو العامل الأهم أو الأوحد ، فالمستثمر الأجنبي يأخذ فى اعتباره مجموعة كبيرة من العوامل ، علي رأسها مدى ومعدل نمو المؤشرات الكلية ، وأيضا استراتيجية الدولة فى السيطرة على الدين الخارجي ، و نظرة مؤسسات التقيم الدولية للملائة الائتمانية للإقتصاد المصري ، كمحدد مهم ومباشر فى تحديد اختياراتهم وأولوياتهم الاستثمارية.
• استقرار سعر صرف الجنيه المصري ، ونجاح البنك المركزى ، في السيطره على التضخم ، وتوقع استمراره قابعاً رقما أحاديا بين حدي مستهدف البنك المركزى المصرى 7% زائد أو ناقص 2% حتى نهاية عام 2022 ، وهو الأمر الذي يتيح للمستثمر مدى استراتيجى طويل الأجل فى تحديد أهدافه الاستثمارية، ورسم خطط تغطية المخاطر المرتبطة بتغيرات أسعار العائد.
• من اهم عوامل الطمأنة لاستمرار جاذبية الإستثمار الأجنبي غير المباشر في مصر ، هو صلابة الإحتياطى بالنقد الأجنبى واستمرار نموه شهريا وصولا الى 40.672 مليار دولار فى نهاية أغسطس الماضى، مقترباً من الوصول مع نهاية العام الحالى ، أو مطلع الربع الأول من العام الجديد ، إلى المستوى الذى كان عليه قبل الجائحة ،خاصة بعد التوزيعات التى قام بها صندوق النقد الدولي الشهر الماضي، والتي كان من نصيب مصر حصولها على حصة من حقوق السحب الخاصة تعادل 2.8 مليار دولار ، يمكن وفقاً للرؤية المصرية أن تحتفظ بها لدعم الإحتياطي الخارجي من حقوق السحب الخاصة لدى صندوق النقد الدولي أو التوجه لدعم الإحتياطي الداخلي لدى البنك المركزي المصري ، وربما يكون هذا هو الاتجاه الأغلب والأعم.
• يضاف إلى ذلك أن السياسة النقدية الحكيمة التى يتبعها البنك المركزي في إدارة سياسة سعر الفائدة ، متمسكا باتباع سياسة فائقة التيسير لدعم النمو الإقتصادي ، وتنشيط الإقتصاد ، ودعمه في مواجهه تداعيات صدمة كوفيد 19 ، ولكن يراعي البنك المركزي فى ذات الوقت تطبيق سياسة نقدية مرنة تحقق التوازن بين دفع النمو وتحقيق عائد حقيقي معقول للمدخر والمستثمر ، وأيضا عدم المبالغة فى تكاليف الإقتراض.
• هناك أيضاً التشكيلة المنوعة من أدوات الدين العام التي تقدمها وزارة المالية من خلال الجهاز المصرفي المصري ، والتي تتنوع من حيث النوع والآجال ، فهناك الأذون والسندات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل ، وهناك السندات المصرية الدولية بآجال وعملات مختلفة ، وهناك السندات الخضراء ، وأيضا الصكوك السيادية التي صدر قانونها ، والمزمع أن يكون هناك إصدارات قريبة منها ، والنوعان الآخران هما من أدوات الإستثمار الجديدة التي من المتوقع أن تكون تكاليفها أقل نسبيا.
• حقيقة الأمر لا أعتقد أن السياسة النقدية المصرية تستهدف بشكل أساسي أن يكون للجنيه المصري في سباق لتحقيق أعلى عائد حقيقى مقارنة مع أكثر من خمسين دولة أخرى ، كما لا تستهدف رفع الفائدة لجذب أموال ساخنة مهما بلغت قيمتها ـ بالطبع تراكم مثل تلك الأموال لدينا سوف ينفع ولن يضر ـ ولكنه ليس هدفا فى حد ذاته ، فهناك أهداف أخرى أهم، كالعمل على استقرار سعر الصرف ، أو نمو صافي الإحتياطي بالنقد الأجنبي … إلخ.
إن الهدف الأكبر هو دفع النمو الإقتصادي ورفع معدلات التشغيل وتحسن بيئة الإستثمار الأجنبى المباشر ، كل ذلك يدخلنا فى حلقة تبادلية تبدأ بتحسن مؤشرات الإقتصاد القومي ، وبالتالى ارتفاع درجة تصنيف الملاءة الإئتمانية المصرية وارتفاع ثقة المستثمرين بنموذجنا الإقتصادي وبالتالي خفض أسعار الفائدة ( خفض علاوة المخاطرة ) على أدوات الإستثمار بالجنيه المصري ، وأيضاً خفض معدل مدفوعات الفوائد كنسبة مئوية من الناتج المحلى الإجمالي.
وكل تلك العوامل وغيرها تقلل من مخاوف مؤسسة ستاندرد آند بورز ولكننا لا يجب أن نقلل من قيمة نصائحها.
محمد عبد العال
الخبير المصرفي