محمد عبد العال يكتب عن.. اتجاهات أسعار الفائدة
فى تصورى أن لجنة السياسة النقدية ، المنبثقة عن مجلس إدارة البنك المركزي المصري ، ربما تتجه فى اجتماعها التالي، المزمع انعقاده يوم الخميس المقبل للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير للمرة السابعة على التوالي ، وهو ما يعني أن مستويات أسعار الفائدة القائمة مازالت مستمرة فى اتساقها وتوازنها مع معظم المؤشرات الإقتصادية الرئيسية.
فإذا بحثنا عن أهم الأسباب والفاعليات التى قد تدعوها إلى ذلك سنجد العديد من الدلائل، منها على سبيل المثال وليس الحصر :
أولاً : إرتفاع معدل التضخم السنوى العام لأسعار سلع المستهلكين لإجمالى الجمهورية المعلن من جهاز التعبئة العامة والاحصاء ، إلى 6.4% في اغسطس الماضي ، مقارنة ب 6.1% فى يوليو ، إلا أن معدل التضخم السنوى الأساسي المعلن من قبل البنك المركزي (والذى لا يأخذ فى اعتباره تأثير السلع شديدة أو موسمية التقلب) قد انخفض إلى 4.5% فى شهر أغسطس، مقابل 4.6% في يوليو ، وتشير التوقعات باستمرار لارتفاع معدل التضخم خلال الفترة القادمة لأسباب مختلفة، من أهمها تأثير الارتفاعات المحتملة في أسعار النفط، والسلع الإستهلاكية والإستراتيجية عالميا ، وهو ما قد ينعكس بعد حين على أسعار السلع المحلية.
ورغم تلك التقلبات الطفيفة صعودا وهبوطا فى معدلات التضخم، ورغم إتجاهه التصاعدي ، إلا أنه من المتوقع أن يظل معدل التضخم محدود الإرتفاع ، ليسجل رقما أحاديا ، قابعا بين حدي المدى الذي استهدفه البنك المركزي وهو ( 7 % زائد أو ناقص 2% ) أي بين تسعة وخمسة في المائة حتى نهاية الربع الرابع من عام 2022 ، وفي ضوء ذلك يكون التفكير فى أى تعديل لأسعار الفائدة فى المرحلة الحالية أمراً قد يكون غير مبرر.
ثانياً : ومن الجدير بالذكر هنا أن أرقام التضخم الحالية ، أو المتوقعة ، مقارنة بمتوسط منحنى العائد على الجنيه، مازالت تشير إلى فارق عائد حقيقى معقول جدا ، وهو ما كان يتيح للسلطة النقدية إمكانية أن تقوم بإجراء خفض جديد ، ولكنها فد تفضل الاستمرار على المستوى الحالى لأسعار الفائدة ، دعماً لمدخرات القطاع العائلى ولإتاحة عوائد مميزة على مدخراتهم ، بما يضمن لهم دخلا ثابتا يساعد على خلق طلب مشتق على السلع والخدمات ، فلا إنتاج بدون استهلاك وأيضا جذبا لتحولات المصريين العاملين فى الخارج، وحفاظاً على تدفق الإستثمار الأجنبي غير المباشر فى أوراق الدين العام الحكومية.
ثالثاً : من ناحية أخرى أعتقد ، أن أحد الأسباب التى ربما تدعوا إلى تثبيت الفائدة هو التحوط ضد أى مخاطر محتملة لظواهر ركود فى بعض الأنشطة نتيجة انخفاض الطلب الاستهلاكي ، خاصة بعد التحسن الملحوظ فى مؤشر مديرى المشتريات خلال شهر أغسطس الماضي حيث سجل 49.8 نقطة مقابل 49.1 نقطة فى شهر يوليو السابق ، وهو ما يعنى أن هيكل أسعار الفائدة الحالى قد نجح فى المساهمة فى تحقيق الإنتعاش الإقتصادي العام، وساعد على نمو الطلب المحلي والتوسع القياسي فى نشاط القطاع الخاص( غير البترولي ).
رابعاً : أيضاً فى ظل هيكل أسعار الفائدة القائم والمستمر من مطلع العام ، والذى يعكس فى حقيقة الأمر الأهداف الكبرى للسياسة النقدية، وأهمها تحقيق استقرار الأسعار ، وخفض معدل البطالة ، وقد أكدت بيانات الجهاز المركزى والاحصاء تراجع معدل البطالة خلال الربع الثانى من عام 2021 ، لتبلغ 7.3% بالمقارنة مع معدل 9.6% خلال الربع المماثل فى العام السابق.
خامساً : إن السياسة النقدية الحكيمة فى إدارتها لسياسة تغيرات سعر الفائدة ، لعبت دورا مهما فى دعم النمو وتوفير السيولة اللازمة للأنشطة الإقتصادية، مما ساعد على العبور الآمن من صدمة كوفيد 19 ، ومن أبرز إيجابيات ونتائج تلك السياسة هو استمرار تدفق النقد الأجنبى من جميع المصادر ، الأمر الذى عكس استمرار نمو الإحتياطى بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري ، والذي ينمو شهرياً وإيجابيا مسجلا فى نهاية أغسطس الماضي 40.67 مليار دولار أمريكي، ومقتربا بالتدريج من مستواه السابق قبل الجائحة.
إن احتفاظ مصر باحتياطى نقدي جيد يغطى الإحتياجات الإستيرادية والإستراتيجية وسداد الإلتزامات الدولية فى مواعيدها لمدد تصل إلى 7 أشهر هو أمر ساعد على استقرار سوق الصرف وتوفر السيولة بالنقد الأجنبى ، ودعم استقرار الجنيه المصري ، وشجع تحويلات المصريين العاملين فى الخارج وجذب شرائح أكبر ومتنامية من الإستثمار الأجنبي غير المباشر فى أوراق الدين العام الحكومية
سادساً : فى ظل هيكل أسعار الفائدة الحالى حققت مؤشرات الإقتصاد الكلى استقرارا شهد به كل مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية ، التي أبقت على تصنيف مصر الإئتمانى دون تغير منذ الجائحة وحتى الآن مع الإحتفاظ بالنظرة المستقبلية المستقرة للإقتصاد المصري ، كما حقق الإقتصاد المصري مؤشرات مالية قوية تمثلت فى تحقيق فائض أولي 1.4% وانخفاض العجز الكلى إلى 7.4% مع توقع تحقيق معدل نمو 5.5% وتحسن معدلات التشغيل.
إن لجنة السياسة النقدية تراعى دائما أنن تتوافق توجهاتها وفقا لتطور الأوضاع المحلية والإقليمية والعالمية ولصالح الإقتصاد المصري والمواطنين ، وسوف تظل سياسة نقدية فائقة التيسير شديدة المرونة فى دفع النمو الإقتصادي ودعم الإقتصاد القومى ، والحفاظ على استقرار الأسعار واتخاذ كل الخطوات والإجراءات التى تتطلبها مستحدثات الأحداث العالمية والمحلية ، وهذا ما تؤكده دائماً لجنة السياسة النقدية الموقرة فى بياناتها.
محمد عبد العال
الخبير المصرفي