محمد عبد العال يكتب: هل يمكن أن تنتقل إلينا الموجة التضخمية العالمية؟ وإلى أي حد؟
خدعوك فقالوا إنه لا يمكن أن تتأثر دولة ما بالموجة السعرية التضخمية السائدة فى العالم الآن.
وبالطبع مصر جزء من هذا العالم الاقتصادى الشامل المتشابك ، نحن نتعامل معه فى كل جوانب التجارة الخارجية الدولية ، تصديراً واستيراداً .. فمثلا نصدر الغاز ، ونستورد منتجات بترولية ، ولكننا للأسف نستورد أكثر بكثير مما نصدر.
نحن نصدر سنويا فى حدود 30 مليار دولار فقط ولكننا نستورد بما يفوق 60 مليار دولار سنوياً، لأننا نستورد حوالى 60% من الخامات ومستلزمات الإنتاج والسلع الإستراتيجية اللازمة للعملية الإنتاجية الصناعية فى مصر.
وكنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الطاقة من جميع مصادرها وأنواعها، خاصة النفط والغاز ، وأيضا ارتفاع بعض المواد الرئيسية المعتمدة على الطاقة مثل مادة الأمونيا ، وهى المكون الرئيسى فى صناعة الأسمدة اللازمة للزراعة ، كان من الطبيعي أن تتجه كل أسعار السلع النهائية والوسيطة والخامات فى الأسواق العالمية إلى الارتفاع بدرجات غير مسبوقة.
ويكون الأمر المنطقى أو التأثير المحتمل علينا هو فى إمكانية أو حتمية انتقال بعض درجات تلك الموجة التضخمية المستوردة إلينا، خاصة مع الارتفاع المتتالي فى تكاليف الشحن.
ولكن إلى أى حد يمكن توقع التأثير المستقبلي للموجة التضخمية المستوردة على معدل التضخم المحلي لدينا؟
إن ذلك يعتمد فى تصوري على متوسط تأثير حزمة من الفاعليات ذات التأثير الإيجابي أو السلبى فى الوضع الراهن ، ومن أهم تلك الفاعليات:
• المدى الزمنى المتوقع لاستمرار حالة ارتفاع أسعار الطاقة، وقدرة الدول المنتجة والمستخدمة للوصول إلى تفاهمات تحقق أكبر نقطة توازن بين المصالح العالمية المتعارضة ، وربما تؤدى إلى تنسيق عودة الأسعار العالمية للطاقة إلى معدلات معقولة ووقف موجة التقلبات الحالية.
• إلى أي حد زمني وكمي يمكن للمخزون الإستراتيجي السلعي لدينا أن يغطي فترة قد تطول لتغطى الإحتياجات بالأسعار القديمة حتى بداية التعاقدات الجديدة بالأسعار المرتفعة ، وإلى أى حد أدركت فيه المؤسسات الحكومية والخاصة اتخاذ إجراءات استباقية بعقد صفقات آجلة لتثبيت الأسعار فى المستقبل ، وفى كلا الحالتين يحتاج الأمر ضرورة فرض رقابة مؤثرة على مستويات الأسعار فى الأسواق.
• التوجيهات الرئاسية للبنك المركزي ودور الجهاز المصرفي الفاعل والمبادر في تدبير النقد الأجنبي اللازم لفتح اعتمادات الاستيراد بأسعار صرف مستقرة ورسوم بسيطة ، وأيضا التوسع فى توفير السيولة والتمويل لعمليات التجارة الخارجية ، أو توطين الصناعة المصرية بمبادرات مالية ضخمة وأسعار متميزة ، تؤدي إلى خفض تكلفة تمويل عملية الاستيراد أو الإنتاج، وبالتالى خفض أسعار بيع المنتج للمستهلك النهائي، وهو ما يخفض من الضغوط التضخمية المستوردة المحتملة.
• إلى أى حد يمكن للحكومة دراسة تأجيل أو تخفيف بعض الرسوم الحكومية المستحدثة.
• الدور الإيجابي المستمر للحكومة فى إصدار قرارات جريئة، مثل قرار وقف تصدير بعض أنواع السلع الاستراتيجية مثل الأسمدة.
بناء على متوسط تأثير كل العوامل السابقة يمكن أن يتقلب تأثير معدل التضخم المستورد المحلى بين الارتفاع أو الثبات أو حتى الاستمرار فى الهبوط.
وفى تصوري أنه يمكن توقع أن التأثير لن يكون حادا ، ولن يكون هامشياً ، ولكنه سيكون محصوراً في نسبة زيادة في حدود واحد إلى واحد ونصف في المائة ، بما يعني أن معدل التضخم لأسعار سلع المستهلكين على أساس سنوي خلال شهري نوفمبر الجاري وديسمبر القادم ، من المتوقع أن يتراوح ما بين 8% و 9% فى المتوسط ، وهو ما يعني أنه سوف يظل رقماً أحادياً قابعاً بين حدي المعدل المستهدف من البنك المركزي المصري حتى نهاية عام 2022، اى 7% زائد أو ناقص 2%.
محمد عبد العال
الخبير المصرفي