دكتور زكريا صلاح يكتب : وسائل التواصل الاجتماعى ومخاطر السمعة

“اليوم زرت بنك كذا وكانت المعاملة سيئة”
“مركز خدمة العملاء بقالي ساعة ولا يرد ولو ردوا في الآخر يقولك تعالى الفرع”
“بنك كذا حسب علي عوائد بطريقة غلط ويطالبني بالسداد وتقدمت بشكوى للبنك ولم يرد أحد”
“خدمة سخيفة قعدت في الفرع أكتر من ساعتين علشان أقضي مصلحتي”
“موظف خدمة العملاء قعد ساعة كاملة بيحاول يقنعني آخد قرض مقابلة الوديعة وأنا مش عايز”.

تخيل مثل هذه الأمور أصبحت بوستات يومية ومتكررة على الفيس بوك ، وكلها شكاوى دائمة من العملاء ، ومجرد أن شيئا بسيطا يحدث يتم كتابته في أسطر ، كنوع من نقل التجربة للتعامل مع أحد البنوك ، وعادة تنتهى بأن الخدمة أو المنتجات سيئة ، ويتم التوصية في البوست بعدم التعامل مع البنك الفلاني ، وبهذا تسيئ البوستات للبنك وللعاملين به وللعاملين بالقطاع.

كما أنه قد لا يلاحظ البنك هذه البوستات أو يصعب متابعتها نتيجة آلاف الصفحات والجروبات ، وغيرها من الأماكن والقنوات التي تتداول عليها البوستات والتعليقات، وقد تتفاقم الشكوى نتيجة التأخر في الرد ، ويظل صاحب البوست يكتب ثم يكتب ثم يكتب ، والبنك المذكور في غيبة عن المتابعة أو الرد على البوست بأنه تم إزالة الشكوى.

وكعادة العملاء أو عادة البشر لا يذكر إلا السيئ ، أما الإيجابي فهو رضا يتبعه صمت لا يتم شكر موظفي القطاع المصرفي عليه ، لأنه صميم عملهم ودورهم و”مبيعملوش شيء خارق أو غير عادي “ده شغلهم”.

على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعى تحقق بعض الأهداف للبنوك ، حيث تعتبر أحد قنوات التسويق الأكثر فاعلية ، ويستخدمها بعض موظفي البنوك في تحقيق التارجت المطلوب منهم ، عن طريق التواصل مع العملاء الحاليين أو جذب عملاء جدد ، إلا أن الأمر جد خطير ، حيث أنه يعرض البنوك لأخطر نوع من المخاطر يصعب إدارته وتحديد حجم الخسائر التي يمكن أن تنتج عنه، كما أن أدوات التخفيف منها محدود ويحتاج جهدا جهيدا للرقابة والمتابعة والتواصل والشرح والتعقيب و…الخ.

إنها “مخاطر السمعة” ، والسمعة هي مجموعة الإدراكات والآراء والإعتقادات عن البنك ، المبنية على خبرات سابقة وحالية معه ، أو توقعات منه ، وبالتالي فإن مخاطر السمعة تعتبر إنعكاسا لكل ما سبق إذا حدث أمر ما سلبي ، سواء كان قد حدث بالفعل أو في صورة ادعاء ، فإن ذلك ينعكس بالسلب على أعمال البنك أو موقفه المالي ، وتزعزع الثقة في البنك ذاته ، والتآكل التدريجي لقاعدة العملاء وحجم الأعمال والإيرادات.

مخاطر السمعة هي خطر غير ملموس في طبيعته ، وليس من السهل تحليل أثار الأحداث على حجم مخاطر السمعة التي يتعرض لها البنك ، أو تحديدها ، حيث تمثل السمعة محور إستراتيجى لاستمرارية البنك وتوسع أعماله ، وبينما تبنى السمعة في سنوات كثيرة من التواجد وممارسة الأعمال والمنافسة ، فإنها قد تنهار في لحظة لأي حدث ولو بسيط وتناولته وسائل التواصل وصنعت منه حدوتة.

والبنك كمؤسسة مالية ، فإن مخاطر السمعة قد تأتي من جوانب كثيرة وممارسات البنك في اتجاهات مختلفة ، مثل مدى تكامل العملية الإدارية، والإلتزام الذاتي للبنك للوائح والقوانين وأمام العملاء، وثقافة المؤسسة، وطريقة إدارة المخاطر والبيئة الرقابية، والملاءة المالية، وممارسات وحجم الأعمال ، ورضا العملاء، والإلتزام بالشريعة في حالة البنوك الإسلامية، وخطر الشائعات، وطريقة إدارات الأزمات ، والشفافية والإفصاح ، وتطبيقه للنظم المحاسبية والإدارية، ونظم الحوكمة المطبقة، وتصرفات العنصر البشرى داخل وخارج البنك، كل هذه الأمور قد ينتج عنها مخاطر سمعة إذا كانت تؤدى أو ينتج عنها شيء خطأ أو حدث أو مجموعة أحداث تسئ إلى هذه الجوانب أو تمسها.

وبالتالي على البنوك تبنى الأساليب والأدوات المختلفة لإدارة مخاطر السمعة والتخفيف منها ، والتي تتمثل في ثلاث محاور رئيسية، وهي تطبيق نظم حوكمة جيدة ، وتطبيق سلسلة من الإجراءات الفعالة للتخفيف من مخاطر السمعة ، وإدارة الأحداث التي قد تؤدى إلى المساس يسمعة البنك ، وأهمها التواصل الفعال مع الأطراف ذات العلاقة مع البنك والمجتمع بصفة عامة ، وسرعة الرد على المتطلبات والإحتياجات وحل الشكاوى.

وليس أدل على أهمية إدارة مخاطر السمعة من أن بناء والحفاظ على سمعة جيدة يعطى فرصة للبنك لزيادة حجم أعماله ، وتعطيه القدرة على جذب الكفاءات ، وزيادة الولاء والرضا على مستوى العملاء والموردين ، والتوقعات المستقبلية بشأن أداء البنك ، بالإضافة إلى التقليل من احتمال تعرض البنك للخسائر ، والحفاظ على مستوى أسعار أسهم البنك إذا كانت متداولة في البورصة.

إن خلق وظيفة مسئول لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام بصورة عامة وردود أفعال الأطراف المختلفة حول أداء البنك والأحداث المتعلقة به أصبح أمرا حتميا وضروريا ، كجزء من التخفيف من مخاطر السمعة.

ولكل من في البنك دور أيضاً في ذلك ، بدءاً من الموظف حتى الإدارة العليا ومجلس الإدارة ، ومراعاة تصرفاتهم داخل وخارج البنك.
والله من وراء القصد ،،

دكتور زكريا صلاح الجندى
خبير مصرفى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى